تتقدم أو تتأخر ولكنها لا تغيب

قاسم والكرم والفيضة والمكنسة وعيد الميلاد.. نوة الإسكندرية الأشد مطرًا ورياحًا

 الكتل الخرسانية تجتذب الإسكندارنية في الشتاء
الكتل الخرسانية تجتذب الإسكندارنية في الشتاء

بحر تتلاطم أمواجه على الصخور، لتعبئ رائحة اليود الأجواء، وقطرات مطر تبعث الأمل فى النفوس، مكونات ولا أروع يرسمها الشتاء فى أرجاء وشوارع عروس البحر المتوسط.

ولتكتمل اللوحة الطبيعية جمالًا تتلون سماء مدينة الإسكندر الأكبر بـ «قوس قزح» وشمس تتدلل على الجميع بالظهور مختبئة خلف غيمة معلنة عن بدء نوة جديدة تلوح فى الأفق.

 شيخ الصيادين يكشف سر أسمائها.. ويؤكد: 80% منها توقف رحلات الصيد 

النوة هى ظاهرةٌ مناخية طبيعيةٌ مُرتبطةٌ بتغيرات الطقس وفصول السنة يحدثُ فيها هبوبٌ شديدٌ للريح مشيخ الصيادين يكشف سر أسمائها.. ويؤكد: 80% منها توقف رحلات الصيدا يُثير اضطراب البحر، وقد تشمل أمطارًا غزيرةً يتبعها سيولٌ وارتفاعٌ فى موجِ البحر.

كل من يعيش فى المدينة الساحلية، يعى جيدًا، معنى «النوة»، يعشقها محبى الشتاء، ويهابها الصيادون وسكان المنازل القديمة فى حوارى إسكندرية، لكن لطالما تساءل البعض عن سر أسمائها؟.

النوة لا تغيب
وفقا لجدول النوات بميناء الإسكندرية، تتعرض الثغر لـ 18 نوة على مدار فصلى الخريف والشتاء، تبدأ النوات التي-قد تتأخر أو تتقدم أيام ولكنها لا تغيب- فى 30 سبتمبر من كل عام بـ «رياح الصليب» وتنتهى بنوة «رياح النقطة» فى 18 يونيو من كل عام.
وتستغرق النوات فترات زمنية محددة تتراوح بين يومين مثل نوات «عيد الميلاد والسلوم والشمس الكبيرة» وقد تطول لتمتد إلى 6 و7 أيام مثل «أنواء الكرم والحسوم وعوة وبرد العجوزة».

هالة حمراء
لمواعيد بدء النوات علامات يعرفها صيادو الإسكندرية أباً عن جد».. هكذا قال الحاج أشرف زريق، شيخ صيادين الإسكندرية، مشيرًا إلى أن الصيادين زمان لم يمتلكوا ما يعرفون به مواعيد النوات مثل الوقت الحاضر.
ويضيف «زريق» لـ «الأخبار» أن الصياد كان يعرف موعد بدء النوة بعلامات منها تساقط النجوم من السماء أو هياج طائر النورس وغروب الشمس وسط هالة حمراء أو نشاط رياح غربية.

ويشير إلى أن الصيادين قد يعلمون بدء هبوب النوة من أى تغيير يطرأ على موج البحر، مؤكدًا أن 80% من النوات تتوقف خلالها حركة الصيد فى البحر المتوسط خشية تعرض المراكب والسفن للغرق بسبب شدة الرياح وارتفاع أمواج البحر.

أخطر نوة
«رغم أن وقت النوة مش بنعرف نصطاد لكن البحر وقتها بيكون كله خير»، يقول الحاج أشرف زريق، متابعًا:» النوة بتقلب البحر وبتكون موسم لمعظم الأسماك القاعية زى الجمبرى والدنيس والكبريت والشراغيش والبربون وغيرها».
ويوضح أن النوات الـ 18 يوجد بينها نحو 10 نوات تعد الأشد والأكثر ضراوة ويصاحبها غالبًا أمطار غزيرة ورياح وعواصف شديدة مثل «المكنسة وقاسم والفيضة الكبرى والصغرى وعيد الميلاد وعوة والكرم» وغيرها.

سر الأسماء
وحول سر وغرابة بعض أسماء النوات التى تضرب سواحل المدينة، يقول شيخ صيادين الإسكندرية:» الأسماء دى أطلقها على النوات الناس الكبيرة زمان طلعنا لقيناها أباً عن جد».

وأشار أن البعض حدد أسباب لتلك الأسماء مثل نوة «المكنسة» التى تعتبر أولى النوات بعد فصل الصيف، ولأنها تكنس الجو من الأتربة وتكنس البحر برياحها الشديدة.

بينما سميت نوة «قاسم» بهذا الاسم بسبب غرق أحد الصيادين فى وقتها، وكان يُدعى قاسم، و»الفيضة» لأنها البحر يفيض فيها وترتفع أمواجه بشكل كبير، و»عيد الميلاد» و»رأس السنة» و»الغطاس» لتزامنها كل منها مع أعياد الميلاد المجيد ومطلع العام الجديد وعيد الغطاس.. أما نوة «الكرم» فأطلق عليها الاسم لأنها غزيرةٌ «كريمةٌ» فى أمطارها وتستمر 7 أيام، و»الشمس الصغيرة» لأن الشمس خلالها تكون ساطعةً حتى أثناء تساقط المطر، و»السلوم» لأن الرياح تهُب من جهة مدينة السلوم على الحدود الغربية لمصر مع ليبيا.

كارثة 2015
ولخطورة معظم تلك النوات، يسبقها عادة استعدادات مكثفة من كافة الجهات التنفيذية المعنية فى الإسكندرية، لضمان عدم تكرار كارثة شتاء 2015، الذى يعد الأسوأ على الإطلاق الذى تعرضت له مدينة الإسكندر الأكبر.

وتسببت السيول والأمطار - وقتها - التى سبقت نوة رياح الصليب فى وفاة 5 أشخاص وغرق الشوارع والميادين والمنازل، وإنهيار أكثر من 30 عقار، معظمها بالأحياء الشعبية القديمة، إلى جانب تلف المحاصيل الزراعية.

17 إجراء احترازيًا
وتتخذ الهيئة العامة لميناء الإسكندرية نحو 17 إجراءً احترازيًا قبل موسم النوات والشتاء، لضمان حسن سير العمل وانتظامه والحفاظ على الأرواح والممتلكات بميناءى الإسكندرية والدخيلة.

تتضمن تلك الإجراءات متابعة الموقف الجو مائى بصفة دورية من خلال التنبؤات الجوية والرصدات المستمرة، ورفع درجة الاستعداد على مدار 24 ساعة لمجابهة أى أحداث طارئة، غلق البوغاز حال توافر ضوابط اتخاذ قرار الغلق وتنفيذ الرصدات الجوية كل ساعة.. وتشمل الإجراءات إذاعة الرصدة الجو مائية على كافة السفن بمناطق الانتظار والتراكى داخل الميناء، والتنبيه على السفن بالمخطاف الداخلى ومنطقة الانتظار الخارجى للتأكد من تثبيت مخطاف السفينة جيدًا وبطريقة آمنة مع وجود مسافات مناسبة وآمنة بين السفن.. وتمتد الإجراءات لتشمل إخطار السفن بتغطية كافة العنابر الخاصة بالسفن للحفاظ على البضائع من التلف، ورفع درجة الاستعداد القصوى لأطقم الإنقاذ والغطس والقاطرات والوحدات البحرية ولنشات الإطفاء، فضلًا عن المرور على شبكات صرف المطر، وتأمين محطات الكهرباء وتجهيز أطقم الطوارئ وغيرها.

تحذيرات للمواطنين
وتُصدر محافظة الإسكندرية للمواطنين، 7 تعليمات وتحذيرات يجب الالتزام بها خلال موجة الطقس السيئ والنوات، وذلك حفاظًا على حياتهم من بينها تقليل التحرك بالسيارات، للسماح لسيارات رفع مياه الأمطار من التحرك بسهولة ويسر.
وتتضمن التحذيرات تجنب السير بسرعات عالية بالسيارات تتعدى 60 كيلو مترًا، ‏والحفاظ على مسافة أمان أكبر من المعتاد، وعدم ‏الوقوف أسفل الشرفات القديمة والمتهالكة، وعدم ‏البقاء فى أماكن مفتوحة أثناء حدوث البرق.

وتحذر المحافظة المواطنين من ‏الاقتراب من الأسوار والأجسام المعدنية والسكك الحديدية ‏أثناء حدوث البرق تجنبًا لخطر الصعق، وعدم وقوف السيارات على شنايش الأمطار، بالإضافة إلى عدم ركن السيارات تحت أو فى أماكن احتمال سقوط الأشجار.

وفى حالة النوات شديدة الأمطار، قد يصدر المحافظ قرارًا بتعطيل الدراسة بجميع المدارس، للطلاب والمعلمين ومنح العاملين المعينين ضمن نسبة 5٪ والموظفة التى ترعى طفلًا يقل عمره عن 12 عامًا إجازة استثنائية.

سواتر رملية وخرسانية
لم تتوقف مخاطر النوات على غزارة الأمطار وغرق الشوارع فقط، إذ تمتد لتشمل ارتفاع أمواج البحر وهو ما يهدد كورنيش الإسكندرية، إذ لجأت الأحياء مؤخرًا إلى عمل حواجز خرسانية وسواتر رملية بعد تجاوز أمواج البحر الكورنيش بعدة مناطق من بينها المكس والأنفوشى والعصافرة.

تغيير مواعيد النوات
ومن جانبه، قال اللواء محمد الشريف، إن الإسكندرية تعد ضمن المدن التى تأثرت بالتغيرات المناخية، موضحًا أن ذلك ظهر جليًا فى عدد من التغيرات التى طرأت خلال الفترة الماضية.

وأوضح أن تلك التغيرات تشمل تغير مواعيد نوات الأمطار، وارتفاع منسوب أمواج البحر، وزيادة سرعة الرياح، فضلًا عن الزيادة الكثيفة فى كميات مياه الأمطار والتى أصبحت تفوق أضعاف الطاقة الاستيعابية لشبكة الصرف الصحي.. وأشار المحافظ إلى أن المحافظة تولى ملف حماية الشواطئ من الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية، والعمل على إيقاف تراجع خط الشاطئ فى المناطق التى تعانى من عوامل النحر الشديد.

140 ألف شنيشة
وحول كيفية تعامل شركة الصرف الصحى بالإسكندرية مع النوات، يقول اللواء محمود نافع، رئيس الشركة، لـ «الأخبار» إن المحافظة تتعرض لـ 13 نوة أو منخفضًا جويًا خلال الشتاء، مشيرًا إلى أن الشركة تضع خطة للتعامل مع تبدأ قبل حلول نوات الشتاء.