مساحة وعى

لؤى الخطيب يكتب: الأوهام الفضفاضة لن تبنى وطناً

لؤى الخطيب
لؤى الخطيب

من أهم إنجازات ثورة ٣٠ يونيو أنها صعّدت إلى القيادة رجلاً لا يخدع المصريين، يتحدث بوضوح عن التحديات ويشرك الناس فى رحلة البحث عن الحلول بأمانة وفهم، هذا نهج يجب أن يكون عامًا لدينا جميعاً حينما نناقش أزمات وطننا، وهو نهج نستطيع به عملياً أن نحمى - كمصريين - دولتنا، عبر حصن الوعى والفهم.

أول وأهم مفهوم يتلقاه الطالب الذى يدرس علم الاقتصاد، هو المعضلة الاقتصادية، «ندرة الموارد وكثرة الاحتياجات».

خلال مؤتمر حكاية وطن الأخير، تحدث الرئيس السيسى عن رسم بيانى عُرض خلال المؤتمر، حيث كان يوضح خطيّ الإيرادات والمصروفات والفرق بينهما والذى يمثل العجز. تحدث الرئيس عن الخطين، وعن عدم التقائهما أبداً كإشارة للأزمة المتراكمة التى تعانيها مصر.

مشكلة النخبة فى مصر على مدار عقود، أنها تتحدث -غالباً- عمّا يجب فعله، وليس عن كيفية فعله، أو عن الموارد اللازمة لإتمامه، فلسنوات امتلأت صحف الجرائد وساعات البث التليفزيونية، بحديث مطول عن ضرورة تطوير التعليم والنهوض بالصحة، لكن الانتباه كان قليلاً جداً لهذا الفارق الضخم والمزمن بين الإيرادات والمصروفات، والمعروف باسم عجز الموازنة.

هذا العجز يتطلب إصلاحاً اقتصادياً لكى يتم تحجيمه، وهو النهج الذى بدأته الدولة المصرية متأخرة لعقود عام ٢٠١٦ بقرار من الرئيس السيسى، قرارٌ بكل حسابات السياسة، كان يخصم مباشرة من رصيد شعبيته الطاغية.

هذا حديث يجب استدعاؤه فى سياق أزمة الكهرباء الحالية، فالتشخيص السليم هو أول خطوة نحو العلاج السليم.. دعونا نسأل بوضوح: هل أزمة الكهرباء سببها قلة كفاءة الوزراء المعنيين أو رئيس الوزراء أو أىٍ من مؤسسات الدولة؟ ونحن هنا لا نتحدث عن هوامش الخطأ الطبيعية فى أى عمل بشرى، وإنما نتحدث عن تقصير أدى لأزمة كان يمكن تجنبها بالكامل.

للإجابة عن هذا السؤال، دعونا نسأل: كيف بدأت المشكلة؟

مشكلة الكهرباء هى نتيجة لتضافر عدة عوامل جاءت متزامنة، فمن ناحية تسببت زيادة السكان، والتوسع فى مخطط التنمية، مع درجات الحرارة المرتفعة، فى زيادة استهلاك الكهرباء والطاقة بشكل عام، وهو ما أفقدنا جزئياً ميزة الاكتفاء الذاتى التى تحققت عام ٢٠١٨، ومن ناحية أخرى، تسببت أزمة النقد الأجنبى فى انحسار قدرة الدولة على تعويض الفارق بين الإنتاج والاستهلاك المحليين، عبر استيراد الغاز والمازوت الكافيين لتوليد الكهرباء.

ما نوع الكفاءة المطلوبة فى مواجهة هذا التحدى لكى يمكن تجنبه؟ هل تمتلك مصر ماكينة لطباعة الدولار؟ نحن لسنا أمام سوء إدارة أو تقاعس، نحن أمام حقيقة تقول إن الموارد المتاحة أقل كثيراً من الاحتياجات المطلوبة.

حينما أتحدث عن تحدٍ كهذا، أجد ردوداً من قبيل: وماذا عن الحلول غير التقليدية؟ أين الحلول خارج الصندوق؟.

نوعية الردود تلك شديدة السطحية مع الاحترام لبعض قائليها، هى مجرد عناوين عامة تفتح المجال أمام التساؤل عن حلول أخرى، دون أن يكلف المتحدث نفسه عناء البحث عن هذه الحلول، المهم فقط أن المسئول الحالى مقصر ومتقاعس عن إيجاد الحل الذى لا نعرفه!.

لا تُبنى الدول بهذه الطريقة، ولا يمكن أبداً بناء سياق من الوعى على أوهام وعناوين فضفاضة، فليس أمامنا إلا طريقين: المسار الحالى بما فيه من عمل وكفاح وصبر، أو إيجاد مسارٍ آخر «اختراع اقتصادى» واضح نستطيع السير فى طريق تحقيقه.. غير ذلك هو محض حديث ممجوج فضفاض، ولا نبالغ إذا قلنا إنه أحمق!.