قضية ورأى

هل تستطيع إسرائيل الحرب على جبهتين في الوقت الراهن؟

د. طارق فهمى
د. طارق فهمى

بقلم: طارق فهمي

هل تستطيع إسرائيل الحرب على جبهتين فى الوقت الراهن؟

السؤال الدائر فى إسرائيل هل يمكن الذهاب إلى عملية جديدة متدرجة فى الشمال مع التحسب لارتداداتها

تنشغل بيوت الخبرة ومراكز البحوث الإسرائيلية فى الوقت الراهن فى طرح مجموعة تساؤلات متعلقة بمستقبل الدولة العبرية فى الإقليم، وقدرتها العسكرية على الحرب على جبهتين أو ثلاث فى ظل ما يُجرى فى الوقت الراهن من عمليات وتدابير أمنية وعسكرية فى عمق قطاع غزة وصولًا إلى الحرب فى رفح، والانتهاء من إعداد الترتيبات الأمنية من جانب واحد وإنهاء العمليات تكتيكيًا، والانتقال إلى مرحلة أخرى من المواجهات العسكرية وانتقالها إلى حرب مستجدة فى بعض المواقع والمناطق التى ستتواجد فيها بعض عناصر المقاومة، والتى ستتركز فى بعض البؤر التى يتواجد فيها بعض الفصائل التى باتت تعمل من خارج الإطار المركزي، أو بتنسيق ما كان يُعرف باِسم غرفة المقاومة الموحدة فى ظل تقطع وسائل الاتصالات المباشرة بين عناصرها.

وبالتالى فإن السؤال الدائر فى إسرائيل هل يمكن الذهاب إلى عملية جديدة متدرجة فى الشمال مع التحسب لارتداداتها، والتى ستصبح إسرائيل من خلالها فى مرمى الأهداف المباشرة للفصائل المناوئة بالعراق وسوريا واليمن، وغيرها ما قد يفتح الباب أمام مخاطر حقيقية تمس أمن إسرائيل، تدفعها لخوض حرب استنزاف حقيقية تخسر فيها مناعتها التى تتآكل بسبب الحرب على أكثر من جبهة، والواقع النظرى يشير إلى أن إسرائيل تملك وفرة قوة كبيرة تتشكل فى الوقت الراهن من خلال ما تم منحه من الإدارة الأمريكية من صفقات سلاح ما يمكن أن تحصل عليها خلال سنوات وحصلت عليها فى غضون أشهر معدودة برغم ما تم طرحه فى سِياق ما يجرى من تحديات حقيقية مرتبطة بالواقع السياسى والاستراتيجى التى تعيشه إسرائيل، وتراهن عليه فى إطار ما يجرى من أولويات حقيقية فى الوقت الراهن وقدرتها على الحرب فى إطار مستجدات الواقع العسكرى والخسائر الكبرى التى تتعرض لها، وفى إطار خسائر اقتصادية حقيقية وحالة من الشلل فى مناطق الشمال بسبب تهديدات حزب الله والذى يراهن على إنهاك القوات الإسرائيلية دون الذهاب إلى حالة الحرب الكاملة، وفى ظل مخطط يستهدف ضرب قواعد الاشتباك الرئيسية، وبناء إطار للردع الجديد يؤكد قدرة حزب الله على العمل فى مواجهة إسرائيل، وقبل أن تتوقف الحرب الراهنة فى غزة بقرار من جانب واحد وبدء تنفيذ وتفعيل الإجراءات والتدابير الأمنية الاستراتيجية والأمنية فى منظومة عمل واحدة، ومن خلال مقاربات حقيقية تضع الأهداف الرئيسة على أى اعتبار حقيقى، وفى ظل مقومات حقيقية لنظرية الردع الاستراتيجية الراهنة والتى تدفع لنموذج حقيقى للمواجهات الاستراتيجية على أرضية من المصالح المختلفة والتى تؤكد ثبات نظرية المواجهة الراهنة خاصة أن القلق الإسرائيلى من انفتاح الجبهات المختلفة والتخوف من تكرار ما جرى فى 7 أكتوبر مازال قائمًا بل وممتدًا ومعلنًا فى الدوائر الاستخباراتية تحت مُسمى كيف تبنى إسرائيل مناعتها الوطنية الحقيقية، وكيف يمكن أن تتعامل فى محيطها الإقليمى، وهو ما يعنى أن المخطط الإسرائيلى الانتقال بالمشهد الراهن إلى مسافات أخرى تحقق مصالح إسرائيل دون خسائر كبيرة قد تعمل فى إطار من الحسابات المختلفة والتى قد تؤدى إلى مواجهات مختلفة.

مجمل ما قد يجرى من توقعات وسيناريوهات تبحث فى تفاصيلها بيوت الخبرة وأجهزة المعلومات على مختلف تخصصاتها خاصة جهازى الأمن الداخلى شاباك والاستخبارات العسكرية أمان بأن الإشكالية الكبرى كيف تبنى إسرائيل مناعتها الوطنية الحقيقية، وكيف يمكن أن تتعامل فى واقع أمنى مختلف تكون أولوياته الرئيسة عدم تكرار ما جرى ويجرى، ويمس أمن إسرائيل الممتد والذى يمثل تحديًا حقيقيًا للدولة، ومستقبلها فى الإقليم خلال الفترة المقبلة وقد يفتح النار مرة أخرى على إسرائيل ويتعلق بمستقبل الدولة العبرية بأكملها فى محيطها العربى والإقليمى، خاصة أن الفواعل من غير الدول مثل الفصائل العراقية أو الميليشيات اليمنية سوف تتحرك لا محالة وتدخل المواجهة المحتملة، وهو ما تخشاه إسرائيل، وتعمل على مواجهته بإجراءات حقيقية كاملة يمكن للدولة أن تتعامل.

ومن ثم فإن المخطط الإسرائيلى الانتقال من حالة الترقب والانتظار إلى الفعل بل والعمل على استراتيجية متدرجة يدرك أبعادها جيدًا حزب الله ويعمل على نقل رسائل لإسرائيل بأنه قد لا يقبل بقواعد التعامل، أو الاشتباك من جديد ومن خلال أرضية محددة للمواجهة فى حال امتداد العمليات العسكرية لمسارح عمليات من أعلى ومن خلال مقاربات مباشرة قد تهدد أمن الدولة العبرية، وتؤدى إلى خسائر حقيقية فى حال حدوث أى اشتباك حقيقى يخالف ما بنى من قواعد استمرت سنوات ما بعد حرب يونيو ٢٠٠٦ ستعمل إسرائيل طوال الفترة المقبلة على مسارات متعددة وعلى رأسها المشهد العسكرى الراهن تجاه جبهة الشمال بعد أن تم العمل طوال الأشهر المقبلة على جبهة غزة وفرض الترتيبات الأمنية بدرجة أو بأخرى خاصة فى ممرى نتساريم، وممر ديفيد وشارع الرشيد إلى جانب ممر صلاح الدين، ما يشير إلى أن أى ترتيبات أمنية أيًا كانت ستحفظ لإسرائيل مساحة تحركها والعمل فى مواجهة أية مستجدات لحكم غزة وفى اطار من تحسين شروط التفاوض فى وقتٍ لاحق.

ويبقى الرهان على ما قد يطرح فى التعامل مع جبهة الشمال التى تتحرك فى دوائر محددة ومن خلال سيناريوهات متعددة أقربها الانتقال من قواعد اشتباك متعارف عليها إلى بناء قواعد أخرى مختلفة يمكن القياس على مراحلها فى مواجهة ما قد يطرأ ويدفع للتعامل الإسرائيلى فى مواجهة حزب الله وخوض مواجهة جديدة بصرف النظر عن أى خسائر قد تجرى، أو تدفعها إسرائيل فى إطار حماية حدودها، ووجودها فى الإقليم بأكمله.