«زمن العولمة».. قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

«زمن العولمة» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي
«زمن العولمة» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

ذهبت لصلاة الفجر كعادتي كل يوم، دخلت المسجد مبكراً إلى حد ما، صليت ركعتين تحية المسجد، وبعد آذان الفجر، صليت ركعتي السنة ثم أقام المؤذن الصلاة، قمنا من ثبات، شاهدت زوج اختي وارفاً مهرولاً كي يحضر الصلاة من أولها دُهشت، ولكن لم أتدرج في الذهول، ولم ينجح الشيطان في استدراجي لطرح الأسئلة والفضول، كي أقف على حقيقة ما الذي أتى به ليصلي في مسجدي القريب من منزلي.

تركت الدهشة إلى أن أفرغ من الصلاة، كي أصلي في خشوع.

بعد الصلاة، تقدم نحوي، سلمت عليه.

وجدت وجهه به عدة كدمات، وعدة جروح، وعيناه بها بعض الاصابات، مما جعلها منتفخة، وتميل إلى اللون الأزرق الداكن،  وثيابه ممزقة بعض الشيء، مما آثار فضولي ودهشتي معا.

 سألته: - ماذا أحل بك؟!

جلس في زاوية المسجد منتحباً.

جلست بجواره وأعدت عليه سؤالي:  من فعل بك هذا؟!

فتح يدي ووضع بها مانديلاً ورقياً به بعض أسنانه.

حزنت نفسي وخفق قلبي من وحشية ما ألم به، غلى الدماء بداخلي، متسائلا:

- من فعل بك هذا، وسوف اريك ما سأفعل به، من تحدث؟!

وكلما سألته والحِّيت عليه بالسؤال، كلما زاد نحيبة، كأنما يقول بداخله لن تقدر على عقاب من بعثرني، وحطم وجهي، وإسناني وكبريائي، بل وكرامتي كرجل.

حار عقلي معه وجدتني أربتعلى كتفه، وأخذت رأسه براحتي وضممتها إلي صدري مهدأه بكلمات بسيطة.

جلست بجواره إلي أن هدأ قليلاً،

حدثته ثانيا:

- انا أعلم أنك تسكن في منطقة تعج بمن لا يتقون الله،  بل ويتاجرون في كل شيء،

أعلم أنك محترم جدا، ولن تدنى إلي مستواهم الفكري أعلم.

قاطعني وهو يبكي ويشتد نحيبه بين شهيق وزفير من فعل بي هذا ليس أشقياء منطقتي.

دُهشت واستشاط عقلي غيظا، عاودت سؤاله: بصوت جهوري أجش:

- ليس الأشقياء من يجرؤ أن يفعل بك هذا، ونسيت أنني في المسجد وعلى صوتي، ووقفت من جلوس، أخرجت كل ما بداخلي من حنق متعودة وعازما؛ أن أثأر له وينقصني فقط معرفة الجاني.

أمسك بطرف بنطالي ووقف يهدئ ثورتي محدثا:

- لقد انتهيت، ولولا أنني أخشى عقاب الله كنت انهيت حياتي بيدي، إن بداخلي غليان دموي، يمتص أحشائي بضراوة، ويتركها تتلوي من التيبس، لقد توشحت دنيتي برداء أسود، بل حالك السواد، بت لا أرى تحت قدمي، لقد أخذت أوراق أملاكي كلها معي، وهناك من كان يلح علي بالشراء، مرة بالترغيب، وأخرى بالترهيب، وأنا سوف أعطيه إياها جميعاً بثمن مغري، وسوف أذهب الي قسم الشرطة، لقد تكالب على الشابان ولم يتركا شبر في جسدي لم يركلوه، أنني أحس بتمزيق أضلعي، لم أصدق دهشتي إلى الأن، ما هذا الزمن؟! اعترف أن العمل أخذني من نفسي، ومن الدنيا، ولكن لم أتخيل بشاعة هذا الزمن، لقد فر من بين أيدينا كل شيء جيد تميزنا به، اندثرت الأخلاق، المُثل، القدوه، كل شيء سيء بات مباح، كل شيء أصبح معكوس.

 من فعل بي هذا أولادي الذكور مع اختك إثر مشادة كلامية بيني وبين أختك بتشجيع منها، ولم أنتبه، فنحن في زمن العولمه، اختك طالق.