«عالم خاص بهم» قصة قصيرة للكاتبة نهلة إيهاب

صورة موضوعية
صورة موضوعية

خرج ذات يوم من جحرة الصغير الساكن تحت سلم بيت قديم لا يرى في وجهه الإ دخان كثيف، لا يسمع صوت إلا الضجيج، خرج وفي يده علب المناديل يتسكع في الشوارع من أي طريق يدخل بين السائرين يحاول الاقتراب منهم ولكن هيهات بيد تدفع به بعيد .

تنزف عيناه دمع ليس بقليل، يجعلها تتساقط دون أن يدري بما أصيب ثم يمسح عينيه في ملابسه الممزقة حاملة الجراثيم فتلتهب، عيناه دون أن يشعر لعله اعتاد الألم المرير، وبرغم ذلك فهو حامل المناديل.

يسير في الطرقات يرى أفخم الأماكن وأعلى العمارات يتمنى أن يدخل مدخل أحدهما لا أكثر، ولكن هيهات من يد تدفع به بعيد.

يواصل سيره في الطرقات التي تسمح له بذلك يرى مجموعة من الأطفال يلهون بالقرب من منازلهم، يقف لكى يراهم وفي عنيه دمعة تحمل بداخلها سؤال وأمنية .."أنا ليه مش بلعب معاهم؟ ...

نفسى ألعب معاكم" .

ثم يواصل السير مستكملا بيعه للمناديل، يرى أم في يدها ابنها الصغير يحمل قطعة من الشيكولاتة من الحجم الكبير، يتمنى أن تسقط قطعة من يده لكى يلتقطها أو يلقى بغلاف الشيكولاتة فيأخذها ويستشعر رائحتها.

ينظر إليه نظرة ( يارتنى أبقى زيك لو حتى لثانية واحدة)

يذهب إلى كل عربة واقفة أو سايرة يطرق بأنامله الضعفاء على زجاج السيارات متمنيًا أن يأخذ أحد منه ويعطى له الجنيه.

منهم من يغلق الزجاج ومنهم من يبصق على وجهه بالكلمات ثم يستكمل سيره في رحلة اليوم المرير ويذهب مرة ثانية إلى جحره الصغير .

يحاول أن ينعس ولكن في هذا اليوم هرب النعاس، هل جائع؟ ربما أو عطشان لكن الأكيد أنه حزين والحزن بداخله أوشك أن يفيض والوحدة كانت وحشه المخيف الذي نهش أحلامه وانتهك حياته فأصبح في عالم شبه معزول ولكنه في الحقيقة عالم شبه موجود.

 

تترآى أمامه أشباح مخيفة، صور عديدة للضياع مجسدة وصور عديدة لأشخاص محنطة وكأن الدنيا تحولت إلى متحف شمع لا يمتلك أصحابها أي ذرة من ذرات عنصر الإنسانية.

كل هذا جعله يخشى أن يغلق عينيه خوفا من تلك الصور التي التقاطها له عالمه الخاص به.

يخرج مرة أخرى فيشاهد مجموعة من رفاق عالمه لهم نفس العالم ونفس الظروف وفي يد كل منهما قنبلة ذرية تفجرهم أولا ثم تدمر من حولهم، قنبلة متخفية تحت اسم وصفة متنكرة ولكنهم لا يقصدون ذلك، لأنهم في النهاية في عالم شبه موجود، عالم خاص بهم لا يعلم عنهم أحد شئ .

 

فينضم إليهم هذا الطفل ويمسك بأحد القنابل فتحدث الكارثة المدمرة وتخرج من عالمهم الخاص هذا إلى المحيط الاجتماعي ككل ولكننا لا ندرك ذلك إلا بعد فوات الأوان .

وفي هذه اللحظة يدخل المتفرجون إلى مسرح الحدث ويقوم رجال الشرطة بتعين موقع الحدث.

أطفال بسيجارة ملفوفة وبرشامة مضغوطة وبكلة مضروبة.

لا وجود لهم في أي سجل أو أي ضمير، لا أحد يعرفهم، ولا تأّمل في يوم ملامحهم إلا في صورة لهم أبيض وأسود في صفحة الحوادث أو في صورة بالألوان لإعلان كبير مكتوب عليه تنبيه للاحتراس منهم، ووقتها لم يلفت نظر أحد إلا الصورة الأبيض وأسود التي ساد عليها السواد.

اقرا ايضا | تشجيعية الإعلام.. جائزة وسيلة أم محتوى؟