كل يوم

روعة الحب وبشاعة الحرب

د. القس چورچ شاكر
د. القس چورچ شاكر

كم هو رائع أن نخصص يوماً فى السنة للاحتفال بقيمة الحب، وإن كنت أرى أنه يجب أن نلون كل أيام العام بالحب الحقيقى، فما أجمل المحبة فهى إلهية المنبع، وهى أم كل العواطف الحلوة، والمشاعر الجميلة، والمبادئ الرقيقة، والقيم الراقية، والفضائل الرائعة.

فالحب الحقيقى يجعل الإنسان يخاف على أخيه الإنسان من أى خطر أو ضرر.

أما الحرب فتجعل الإنسان يخاف من أخيه الإنسان، فالحرب لا تترك وراءها إلا الجراح والآهات والآلام والدموع، فهى تحول العمار إلى خراب ودمار، وتبدل الأفراح إلى أتراح. 

الحب الحقيقى يبنينا ويحمينا ويلون بالسعادة أيامنا وليالينا، أما الحرب فهي تشقينا وتبكينا، وتهدر الخير الذى بين أيدينا.

 الحب الحقيقى يحمل للآخرين أشوقاً غالية، أما الحرب فتزرع لمَنْ نعاديه أشواكاً دامية.

الحب طاقة إيجابية معمرة، أما الحرب فهي طاقة سلبية مدمرة.

نعم! مَنْ يعيش الحب يحيا فى قلوب الآخرين بعد مماته، ومَنْ يعيش الحرب يسطر بيده شهادة وفاته.

وبإيجاز فى المحبة السلامة، وفى الحرب الندامة. 

واليوم العالم كله فى حالة انزعاج وقلق من جراء الحرب الشرسة والعنيفة الدائرة فى قطاع غزة ... ويجب على المجتمع الدولى بأكمله أن يرفع صوته عالياً وينادى بوقف آلات الحرب والفناء، حقناً للدماء وتعميقاً وترسيخاً لمبادئ الحب والسلام.

   أعجبتنى قصة أحد سفراء السلام الذى قام بعرض لعبة على أطفال إحدى القبائل الأفريقية البدائية، حيث وضع سلة من الفاكهة فى مكانٍ ما وقال لهم :» الأول الذى يصل إلى المكان سيحصل على السلة بما فيها ... ثم أعطاهم إشارة البدء، لكنه فوجئ بما هو غير متوقع أن الأطفال يسيرون معاً ممسكين بأيدى بعضهم البعض حتى وصلوا للمكان، ثم تقاسموا الفاكهة فيما بينهم، وعندما سألهم « لماذا قمتم بهذا التصرف العجيب بالرغم من أن كل واحدٍ منكم كان بإمكانه الحصول على السلة كلها لنفسه فقط؟ عندئذٍ أجابوه قائلين: «نحن لبعض» وأكملوا حديثهم قائلين: «كيف يستطيع أحدنا أن يكون سعيداً بينما الباقون تعساء؟ ثم قالوا: كل شىء يتناقص ويتضاءل إذا قمنا بتقسيمه إلا السعادة تزداد وتتضاعف إذا تقاسمناها مع بعضنا.  

    ما أجمل هذا الشعار الذى يعنى أن وجودى مرتبط بوجود الآخر. 

يا خسارة لقد ضاعت السعادة من الشعوب المتحاربة المتناحرة المتعالية والتى تعتبر نفسها متحضرة وراقية فالسعادة سر لا تعرفه إلا النفوس المتسامحة والمتواضعة والمتحابة.

حقاً! إن الحب يدعم فكرة العيش المشترك، فالإنسان بطبيعة الحال لا يستطيع أن يعيش بمفرده لأنه كائن اجتماعى، لذلك كلنا نحتاج لبعضنا البعض ... تأمل رغيف الخبز الذى يصل بين يديك، وعليك بسؤال نفسك كم يد اشتركت وساهمت فى صناعته حتى وصل إليك بهذه الصورة؟ 
نعم! نحتاج باستمرار إلي أن نتعلم كيف نعيش معاً، ونفكر معاً، ونعمل معاً؟

نحتاج  إلي أن نعمل بروح الفريق الواحد فى محبةٍ ووئام، وتناغم وانسجام، فاللون الواحد لا يرسم لوحة فنية بديعة الجمال، والوردة الواحدة لا تشكل بستاناً واضحاً للعيان، واللحن الواحد لا يصوغ سيمفونية تُطرب لها الآذان، والعصفور الواحد لا يصنع ربيعاً بديعاً يستمتع به الإنسان. 

أجل! المحبة تجعلنا نبنى جسوراً بيننا وبين الآخرين، ونعيد بناء صرح الثقة التى دمرتها أسلحة الحقد والكراهية، وأن نشيد معبراً من السلام والأمان على بحر المخاوف والأخطار.

والحب الحقيقى يلون وجه الحياة بألوان بديعة الجمال ... بألوان الإيمان والعطاء، والسلام والرجاء، والإخلاص والوفاء، والعدالة والرخاء ... فالحب عطاء فوق حد التصور ... صحيح يمكنك أن تعطى دون أن تحب ... لكن مستحيل أن تحب دون أن تعطى، وتزداد قيمة عطايانا بمقدار الحب الموجود فيها.
نعم! رائعة هى المحبة إجعلها شعارك، رنمها نشيدك، املأ منها حياتك فالمحبة لا تسقط أبداً. 

عبرة فى عبارة  

جميلة هى المحبة، هى اللغة الوحيدة التى يسمعها بوضوح الأصم، 

 ويقرأها بسهولة الأعمى، ويتحدثها بطلاقة الأبكم.

نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر