«الدوائر المغلقة» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

الكاتبة فاطمة مندي
الكاتبة فاطمة مندي

عندما قابلني أول مرة في إحدى المناسبات السعيدة، تغلغل بداخلي خلسة وبدون مقدمات، وجدتني أفكر فيه،

وأينما يذهب تلاحقه عيني، أتحدث مع أصحابي وعيني معه هنا وهنا، دون خجل أو حياء؛ وكأننا كنا قد تواعدنا على هذا اللقاء.

تقدم بضع خطوات، وتقرب ودنا من طاولتي، تحدث إلى، طلب مني موعدا لم أتململ، تواعدنا، وتقابلنا عدة أشهر، كنا نعدو في الأماكن الخالية، نضحك ونأكل نرتاد المطاعم البسيطة، لقد تجرعنا كل ملذات العاطفة البريئة في سعادة ونشوة وأشتها.

 تقدم إلى جدتي لأني يتيمة الأبوين، كان يعمل عمل بسيط، ولكنه يكفي لفتح منزل بسيط، والإنفاق على أسرة صغيرة.

سعدت به، بل وحاولت أن أكون منظمة الصرف قدر المستطاع؛ كي لا أثقل عليه زمنه، ابتاع لي جهاز محمول جديد؛ بمناسبة عيد زواجنا الأول، كان يكنيني بالملكة، ويثني علي بألفاظ مهذبة، أغدق علي كل مشاعر الحنان، كنا نتحدث كعاشقين، وكأخين، وكصاحبين، وكزوجين، كان يقبل يدي في ذهابه وإيابه.

كأن لي الأرض فكنت له السماء، كان لي الأمان فكنت له السكن، دفئته بداخلي، وجعلت منة رجلا سعيدا ومنتشيا دوما، يستقبلني بقبلة وابتسامة ويدفئني داخل عناقة.

ذات يوم استقبلني مهموما، حزينا بعد عودته من عمله على غير عادته.

 -سألته: أين ابتسامتك التي تشرق بها نهاري؟!

 -رد متلعثما: اعذريني لقد وقعت مغشيا علي في عملي، وأنا متعب إلى الآن، ولا أقوى على الوقوف منتصبا.

أخذته من طبيب لأخر، ومن تحليل لأشعة، وفي نهاية المطاف وجدتني أعمل في عدة أماكن من أجل توفير الطعام والعلاج دون جدوى، وهو مريض لا يقوى على الحركة أو العمل.

لم أتوانى، جربت كل شيء في سوق العمل، اشتد بي الاحتياج، عرضت تلفوني للبيع، ولم أجد سوى بيعة بالتقسيط.

ابتعت غيره بالتقسيط، وبعته أيضا، وهكذا وجدتني أدور في كل الدوائر المغلقة من الديون التي أثقلت على نفسي وخطواتي المتعبة.

تكالبت على الديون شرهة كتكالب الذئاب الجائعة للفريسة باشتهاء، وكثر الطرق على منزلي من الديانة،

وتساءلت نفسي اليائسة: أين المفر؟!

هداني تفكيري للذهاب إلى السيدة التي لها معظم الدين، والتي تتاجر بهذه الطريقة، تشتري للناس وتضيف الفائدة.

وطلبت منها مبلغا كبيرا، أنا أعلم أنها تمتلك الكثير، بل وطمعتها إنه سيرجع لها مضاعف؛ لأنني سأشتري به بضاعة مضمونة المكسب، وهذه السيدة لم أخلف لها قسطا، استجابت طمعا في الربح.

سددت بهذا المبلغ بعض الديانة واللذين يترددون على كثيرا، كي أتحاشى توعداتهم.

كل يوم كانت تهاتفني صاحبة المبلغ وكنت أواعدها ولم أفِ بوعودي معها، توجثتها الخيفة مني، وباتت زيارتها لي لطلب نقودها مستمرة ومنتظمة.

جاءتني متوعدة كي تقف على الحقيقة، تأسفت لها، وقلت لها غدا سيأتيني مبلغ كبير، ورجوتها أن تحضر بعد آذان العشاء لاسترداد أموالها.

وبالفعل ذهبت إليها صاحبة الأموال، فلم تجدها ووجدت تجمهر أمام منزلها، شاهدت الناس يحملوها جثة تتساقط منها المياه.

وزوجها ينوح بأعلى صوته باكيا:

- اتركوني انتحر مثلها.