صباح جديد

الشرق الأوسط «الجديد».. والمخطط «القديم»

أحمد جلال
أحمد جلال

يخطئ من يظن أن الخريطة التى أظهرها رئيس الوزراء الإسرائيلى عن الشرق الأوسط الجديد.. أثناء إلقاء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر الماضى كانت كلاماً عابراً.. فالخريطة شملت مناطق مكسوة باللون الأخضر لدول مصر والسودان والإمارات والسعودية والبحرين والأردن..

ولم تشمل الخريطة أى ذكر لوجود دولة فلسطين، حيث طغى اللون الأزرق الذى يحمل كلمة إسرائيل على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملة بما فيها قطاع غزة.

إن هذا المشهد أعاد إلى الأذهان الجدل الذى أثاره بتسلئيل سموترتيش وزير مالية إسرائيل عندما عرض فى مارس الماضى فى باريس خريطة لإسرائيل وعلق قائلاً «لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطينى»!!..

إذاً فالمخطط واضح بل وقديم ومجهز، والنية مبيتة وهدف إسرائيل هو شرق أوسط جديد ليس فيه دولة فلسطين!! ولعل هذا هو حلم إسرائيل الذى لم ولن تتوانى عن تنفيذه، وما كانت حروبها العدوانية منذ قيامها خاصة حربى 1956 و1967 إلا خطوات فى هذا المخطط القديم المتجدد معها دائماً، وربما لولا بسالة الجيش المصرى ونصره العظيم فى أكتوبر 1973. لكان لخريطة المنطقة حاليا شكل آخر يقود إلى المخطط القديم للشرق الأوسط الجديد !!

>>>>>>>>>

ويتوهم من يعتقد أن إعادة تصريحات نتنياهو عن الشرق الأوسط الجديد كانت نتيجة لهجوم حركة حماس عليها فالجيش الإسرائيلى - كما أتصور - ليس بهذه السذاجة والسطحية اللذين ظهرا يوم 7 أكتوبر الماضى.. وما شاهدناه على شاشات الفضائيات كان كفيلاً بأن يكسب نتنياهو وشعبه تعاطفا غير مسبوق وتأييداً مبرراً، كان أحياناً يأتى على استحياء من بعض الدول الغربية.

وردة الفعل كانت جاهزة ومحسوبة وهو ما نتج عنه حصار أكثر من 2 مليون فلسطينى فى غزة بلا كهرباء ولا وقود ولا معونات غذائية.

المؤامرة كبيرة وخيوطها ستتضح يوماً بعد يوم.. ولا يهم إسرائيل سقوط ضحايا من عندها، فى سبيل تحقيق الهدف الأكبر الذى تسعى إليه منذ سنوات طويلة فالشرق الأوسط الجديد هو فى غاية الأمر مخطط قديم يتم التجهيز له من خلال خطة محكمة وتدبير شيطانى، لا يقل عن تفجير برجى نيويورك فى 11 سبتمبر 2001 والذى تكشفت بعض أبعاده وملامحه خلال السنوات الماضية !

>>>>>>>>>

أتذكر ما قاله الرئيس الراحل حسنى مبارك فى أحد اللقاءات عن مقابلة له مع نتنياهو عام 2010 وعرض عليه رئيس وزراء إسرائيل وقتها خريطة للشرق الأوسط الجديد.. قال مبارك إن نتنياهو قال له: «لو نشوف للناس فى غزة دولة حتى لو فى سيناء» ورد مبارك بكل حسم: «انسى أوديهم فين»؟!..

وهو ما يعيد إلى الأذهان اتفاق جماعة الإخوان الإرهابية أثناء حكمها مع الولايات المتحدة الأمريكية على تمكين الفلسطينيين من إقامة دولة على أكثر من ثلث شبه جزيرة سيناء مقابل 8 مليارات دولار، وهو المخطط الذى كشف تفاصيله الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن عدة مرات.

لكن الرئيس عبد الفتاح السيسى أحبط هذا المخطط وأنقذ مصر والقضية الفلسطينية.. وكان قبلها قد أصدر قراراً وهو وزير للدفاع - أثناء حكم الإخوان - بحظر تملك أراضٍ أو عقارات بشبه جزيرة سيناء لغير المصريين.

>>>>>>>>>

إن أى تصريحات تخرج من الجانب الإسرائيلى عن شرق أوسط جديد هو مخطط قديم وليس جديداً، ولكن يتم إحياؤه الآن من خلال محاصرة غزة ودكها، والكلام عن نزوح أهلها هو فى حقيقة الأمر قتل للقضية الفلسطينية بأكملها..

فالشعب الفلسطينى أولى بأرضه سواء فى غزة أو الضفة الغربية، وله الحق فى مقاومة الاحتلال الإسرائيلى بكل السبل دفاعاً عن حقوقه المشروعة حتى يأتى اليوم الذى يسترد فيه الفلسطينيون أرضهم المنهوبة وحريتهم المسلوبة..

أما الهراء الذى يصدر من قادة إسرائيل عن نزوح أهالى غزة إلى سيناء من خلال تضييق الخناق عليهم فهو تجرؤ على سيادة مصر على أرضها..

فسيناء أرض مصرية وستظل للمصريين.. وليست مكاناً للمتاجرة خاصة أن العالم كله يعرف جيداً ماذا قدمت مصر طوال العقود الماضية لخدمة القضية الفلسطينية وتقديم كل الدعم لهم.

>>>>>>>>>

ولعل أساسيات الموقف المصرى من القضية الفلسطينية والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطينى الشقيق لخصها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى لقائه بعدد من رؤساء مجلس إدارات ورؤساء تحرير الصحف المصرية وعدد من الإعلاميين خلال حضوره تخريج دفعة جديدة بكلية الشرطة، وفى تلك التصريحات حرص الرئيس على توجيه عدد من الرسائل المهمة للجميع، ومن بين تلك الرسائل:

التصعيد الحالى بالأوضاع فى الأراضى الفلسطينية خطير للغاية وله تداعيات قد تطال أمن واستقرار المنطقة.

مصر تتابع الأوضاع باهتمام بالغ وتكثف اتصالاتها على جميع المستويات لوقف المواجهات العسكرية الحالية، حقناً لدماء الشعب الفلسطينى، وحماية المدنيين من الجانبين.

مصر تؤكد أن السلام العادل والشامل القائم على حل الدولتين هو السبيل لتحقيق الأمن الحقيقى والمستدام للشعب الإسرائيلى.

مصر لا تتخلى عن التزامها بالقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وتأمل فى حل وتسوية القضية الفلسطينية، عن طريق المفاوضات التى تفضى إلى السلام العادل وإقامة الدولة الفلسطينية، ولن تسمح بتصفية القضية على حساب أطراف أخرى.

نتواصل مع جميع القوى الدولية الفاعلة وجميع الأطراف الإقليمية المؤثرة من أجل التوصل لوقف فورى للعنف وتحقيق تهدئة تحقن دماء المدنيين من الجانبين.

ولعل أهم رسالة للرئيس خلال تلك التصريحات على الإطلاق تأكيده قائلاً «إن أمن مصر القومى مسئوليتى الأولى، ولا تهاون أو تفريط فيه تحت أى ظرف. وعلى الشعب المصرى أن يكون واعياً لتعقيدات المواقف ومدركاً لحجم التهديد الحالى».

>>>>>>>>>

وختاماً لا يسعنا إلا أن نعرب عن أملنا أن تنتهى الأزمة الحالية وأن تكون تلك النهاية بداية لمرحلة نهائية تفضى إلى حل الدولتين الذى لا بديل عنه لاستقرار المنطقة بل والعالم بأثره، كما ندعو الله أن يحفظ مصرنا الغالية ويديم عليها أمنها وأمانها ووحدة أراضيها، وأن يقف الشعب يداً واحداً خلف قيادته الواعية بخطورة الوضع والمؤمنة بأمن مصر القومى، وأولى أولوياته عدم التفريط فى حبة رمل واحدة منه.