إبراهيم عبدالمجيد يكتب: كيف يمضى النهار ولا يأتى الليل

إبراهيم عبدالمجيد
إبراهيم عبدالمجيد

نحن الأدباء والفنانون كثيراً ما تأخذنا المشاعر إلى ماهو غير عادى حتى فى الخيال . أنا من جيل جاء إلى الكتابة بعد هزيمة يونيو 1967 لذلك لم يكن بعيداً عن السياسة. استطعت أن أعيش على فصام نفسي، بأن أجعل النهار للحياة من حولى بما فيها من قضايا، والليل للكتابة الإبداعية. أى للقصة القصيرة والرواية.

جعلت أيضا النهار للمقالات لأنها بنت العقل، بينما الليل للإبداع لأنه ابن الروح رغم أننى أكتب هذا المقال ليلا، لكن السبب أننى كنت نسيت مرور الأيام، ولا زلت أشعر أننى فى بداية الأسبوع.

ما الذى يحدث حولى ليجعلنى بعيدا عن الدنيا إلى هذا الحد، فلا أنتبه حتى للزمن. ليست الموسيقى الكلاسيكية التى لا أمل سماعها، فحتى الموسيقى الآن صرت أنسى أن أسمعها! . أسباب كثيرة يمكن أن أقولها، لكن كلما فكرت فيها نسيتها فى التو واللحظة. أبتعد روحيا فما بقى من العمر قليل، فأجد نفسى أتذكر أشياء مما كتبت. من قصص قصيرة أو من روايات، وتتلبسنى روح شخصية القصة فأزداد حيرة، رغم أنه بالعقل يمكن إجمال كل ما أنا فيه أو ما جعلنى كذلك، مما رأيت من أحاديث على الأرض يحدث غيرها، وغير ذلك مما لا أراه. تلح عليّ قصة كتبتها منذ أكثر من ربع قرن، نسيت حتى عنوانها، ولن أبحث عنه وأترك كتابة المقال.

القصة عن شخص عائد إلى بيته عصرا فوجد كل الشوارع المؤدية إلى البيت وحوله مغلقة بالجدران . ظل يمشى من شارع إلى شارع فيجد جدارا قام أمامه. آه تذكرت .. عنوان القصة كان «الجدار».. هو فى دهشة لا يصدق، ووجد فى نفسه قدرة غير طبيعية ما دام ما يحدث حوله غير طبيعي، فصار يطول ويرتفع أعلى من البيوت والجدران فتعلو أمامه ولا يعبرها . يبدأ من جديد والوقت يمر حتى ذهب النهار وغربت الشمس وخلت الشوارع من البشر وكل شيء، لكن الليل لم يأت.

هو يعرف الليل جيدا فليس الليل إلا ظلاما، لكن ما حوله ليس ظلام الليل ولا نور النهار. ربما يعرف المكان فبيته رغم أى شيء قريب، لكنه لا يعرف الزمان ليقطعه ويمر منه . ليس فى نهار ليصل إلى الليل، وليس فى ليل ليصل إلى النهار. من الذى وضعه فى هذا الموقف؟. أقصد من الذى وضعني؟