«ظلم سيلا1» قصة قصيرة للكاتبة مونيا بنيو منيرة | الجزائر

الكاتبة مونيا بنيو منيرة
الكاتبة مونيا بنيو منيرة

في منزلٍ منعزل يقع في الريف البعيد وتحديداً في غابة كثيفة الأشجار في قريةٍ انتشرت قصة

( سيلا ) تلك الفتاة  القبيحة التي تتجول ولا تخشى الحيوانات حتى المفترسة منها، بل اتخذتها صديقتها بعد  اشمئزاز البشر  منها.

في هذا المكان البعيد من الكرة الارضية تعيش (سيلا) التي يسكن قلبها الكثير من الجمال الرباني النادر الذي يعجز بعض البشر أن يستشعروه أو يلمسوه لفضاضة أخلاقهم إنها اليوم  تنعم بالراحة والفرح برفقة مخلوقات

 لن يصدق البشر أنها اكثر وفاء منها ..

إن تلك المخلوقة اللطيفة الودودة أصبحت غريبة بسبب قساوة بعض القلوب التي ليس بها رحمة إنها رفيقة الذئاب والضباع، يقولون أنها شبيهة بتلك الحيوانات المتوحشة التي استأنست بها وكأنها  سيدة الغابة المرعبة وزعيمتها بل إنها لا تشبه البشر..

كان ليث قد أنهى استحمامه في منزل جده الذي قصده هروبا من واقعه الذي أتعبه ذاك القصر   المغلق منذ سنوات والذي كان في طرف تلك القرية يجهز نفسه قبل يومين ليصطاد  الغزلان إنه مولع بالصيد مند الصغر جلس ليجفف شعره ويدفىء جسمه قرب الموقد الملتهب في عمق ذاك السكون حيث تناول كوباً من القهوة وكتاباً عن صيد الغزلان تلك المخلوقات التي خصها الله بجمال ورشاقة تسحر الناظر وكل من يتعمق في معرفتها

ويظل يسبح لعجائب جمالها ودهائها وروعة تواجدها وسط كم من الحيوانات المفترسة، إنها أشبه بسيلا عند التعمق في حياة الغزالة تنعم بالحياة رغم كل الأخطار المحيطة بها.

قرر ليث أن يخوض مغامرة التوغل في عمق الغابة قاصدا الصيد، ومما أثار فضوله  السرعة الرهيبة التي يمتلكها الغزال ذلك الحيوان الرشيق الأنيق، فكانت أول خطواته هي استكشاف الغابة وسؤاله لأبرع صيّادي القرية وساكنيها ..

 

والأمر المثير في القصة هو تهرب الجميع والصمت المريب عند سؤاله عن الغابة وعن نوعية الحيوانات التي تسكنها، والتي يتزايد عددها بشكل ملفت للنظر الأمر الذي ترك في نفسه علامات استفهام كثيرة

وها هو ليث يعد أسلحته وينهي قراءة الكتاب الثاني والعشرين عن أخطار الحيوانات وترويضهم ومكامن الخطر إلا أنه لم يعثر في كل ما قرأه من كتب على ما يشبع فضوله عن هذا العالم  ..

 

لاحظ الخوف الذي يسيطر في النفوس والقرية تبدو ساكنة تماماً بعد مغيب الشمس وليث يبحث عن تفسير منطقي لهذا السكون .

«2»

أنهى ليث قراة الكتاب وتوجه نحو الشرفة سابحا في تلك الغابات الكثيفة ثم صعد الى الطابق العلوي وشرد مطولا في بديع خلق الله روعة الأشجار التي تلونت وتعددت  ..

ثم أخذ يستشعر جمال المكان وسحره وقرر رسم خطة محكمة ليظفر بغنيمة صيد، وقال عساني أجد متعة في الصيد تكون سلوى لروحي ونسيانا لجروحي وأفك لغز هذه القرية الغارقة في أسرارها التي ما حللتها أهي شر أم خير..

 

فإذا عدنا إلى الوراء بحوالي عشرين سنة، سنجد سيلا لازالت طفلة تُعد من بين بنات القرية الأوفر حظا رغم دمامة خلقتها إلا أنها حظيت بحياة طبيعية مع أب قوي وأم طيبة كانت تساعد والدها في إعداد لوازم صيده وتجهيز ذخيرة الصيد لوالدها المنحدر من جذور هذه القرية.؛ فتقول له: متى تعلمني الصيد يا أبي، هل ستجلعني أعيش وسط هذه الأدغال دون أن تعلمني فنون الصيد وأسراره...؟

ليجيبها والدها: أنا ساجعل منك لغز هذه الأدغال يا صغيرتي

  لا أؤمن بأن الفتاة ضعيفة وأنها لا تصلح إلا للبيت لا أتقبل هذا يا صغيرتي سيلا، فهذا مجرد هراء ورداء يخفي روعة الأنثى وقوته مع خزعبلات تناقلتها عجائز قريتنا من جيل إلى جيل فها أنا أحس بتعب يوخز قلبي ولم أتم سنوات شبابي بعد وأخشى عليك بعد غيابي, ورغم براعة والدتك في حمايتك لأنها تعلم الكثير عن أسرار الغابة والحيوانات وحنكتها التي علمتها الكثير إلا أنه ينتابه شعور غريب يلازمه ولم يهدأ إلا بعد أن يعلمها كل ما تعلمه.

 

لم يسبق لسيلا أن رأته في كل تلك السنوات الماضية بمثل هذا الإصرار في تسليحها بما يجب  .. ابتسمت سيلا وهي تعانق أباها بكل حرارة، وحب فلم  يشعرها يوم ببشاعتها بل إنه رآها أجمل خلق الله فقد ضخمها وسلحها بثقة كبيرة في نفسها ثم نظرت إليه وبريقُ عينيها  يتلألأ ويلمع كالنجم الغائر في كبد السماء وقالت :

 اعلم أنك الوحيد الذي سيسلحني لا تغلب على كل الأخطار والقادر على أن تصنع مني ما  يعجز الأغلبية عن تصديقه أنا ابنتك وورثت الإصرار والشجاعة عنك وأعدك ان لا يوقفني شيء يا أبي..

استمر والدها طيلة سبع سنوات وهو يصطحبها معه في كل رحلاته ليعود في كل أمسية بطريدة صيد ولم يترك جائع أومحتاج في قريتة إلا أخد نصيبه من الصيد ولينال هو نصيب كبير من الدعاء، فازدادت سيلا شجاعة وحنكة وطيبة يوما بعد يوم، وأصبحت في وقت قصير كأمهر الصيادين في القرية، حتى أصبح الكثير يخفي لها حقدا وحسدا، ولم يخف على والدها أنها ستواجه مستقبل قاس نظرا لقلة جمالها وجاذبيتها كقريناتها.

 

وفي ذلك اليوم الذي خرج والد سيلا من المنزل بعد أن وعدها بالعودة بطريدة كبيرة تسعدها

لكن المؤلم أنه لم يعد حتى الآن..

ومضت الأيام مظلمة حزينة على سيلا وهي تنعي غياب والدها بأعذار وتبحث عنه في كل شبر ونار الفقد واللهفة والحنين تنخر قلبها.. حتى جاء اليوم الذي عثر فيه أكبر صيادي القرية على والد سيلا ميتا مرميا في قعر بحيرة بأعماق الغابة.

لم يستطيع أحد أن يصل لحقيقة ما حدث له وبعد شهر على فقدانها والدها رحلت والدتها حزنا وقهرا واستطاعت أن تستمر دونه..

 

ومنذ ذلك اليوم وسيلا تتعرض للمضايقات والتعامل القاسي ونعتها بالبشعة المخيفة، ولم تكن تعبأ بما يكيد لها الجميع

كان جل اهتمامها الصيد والعودة مساءً الأمر الذي زاد في محاولة شباب القرية وبناتها من تلفيق لها قصص وحكايا لتشويه سمعتها والطعن في شرفها، وقام الحميع بطردها.

وضعت سيلا حجرا بقلبها وتحجرت الدموع في مقلتيها اللتان لم تجفا من فقدان والديها ثم قالت وتحدثت أمام الجميع: إنها ستخرج من القرية لكن الجميع سيندم لما سولت لهم أنفسهم وتوعدتهم  بالانتقام لنفسها ولشرفها الذي هو شرف والدها الذي أغرقهم بعطفه وخيره، ولا عحب أن القلوب الحاسدة القاسية لن يثمر بها معروف..

 

اما ليث وبعد تأملٍ عميق في تلك الأدغال سمع دق جرس الهاتف فتوجه نحو المنضدة ورفع السماعة قائلا: مرحباً؛ من المتكلم م ..؟

وأتاه الرد من أُمّه في المدينة تقول:  متى تعود ياليث؟ عليك بالعودة قريبا

فأنا أعيش لوحدي..، لا يعقل أن تظل في ذلك البيت المتطرف بين الوحوش وتنعزل عن الناس  وأنت لازلت  شابا في ربيع العمر..

وضع ليث السماعة في مكانها وأقفل الخط في وجه أمه، وراح يصرخ ويضرب في رأسه في كل جدران البيت ثم أخد ما وجده أمامه من أسلحة الصيد وخرج من المنزل وهو يصرخ مع ظلام ذلك الليل..