فى إطار مواجهة أمريكا.. اتفاقية «تعاون استراتيجى» بين موسكو وكوريا الشمالية

روسيا - الصين.. خريطة تحالفات جديدة والبحث عن مناطق نفوذ

الزعيم الكورى الشمالى كيم جونغ أون مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين
الزعيم الكورى الشمالى كيم جونغ أون مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين

مروى حسن حسين   

خلال الأسابيع والأيام الماضية شهدت الأوساط الدولية تحركات مكثفة من كل من روسيا والصين حيث قام الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بزيارة ذات أبعاد استراتيجية لكل من كوريا الشمالية وفيتنام، كما استقبلت العاصمة الصينية بكين عددًا من قادة وكبار مسئولين فى دول أمريكا اللاتينية والهدف واضح لا يخفى على أحد، فهناك مسعى من كل منهما على فك الحصار المفروض عليها فى إطار التنافس والصراع الدولى مع دول الغرب وفى القلب منها الولايات المتحدة بل الصين ذهبت إلى أبعد من ذلك من خلال خطوة محسوبة لتمتين العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية التى يتم حسابها فى كل الأحوال على أنها الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، التحركات تكشف عن رؤية استراتيجية مستقبلية للتعامل مع التحديات التى تواجه كلا البلدين والبحث عن مناطق نفوذ ومجالات تعاون مع هذه الدول، حيث شهدت المباحثات تعزيز التعاون الاقتصادى وزيادة التبادل التجارى وحجم الاستثمارات المشتركة ومن المؤكد أنه سيكون لها نتائج مهمة فى الفترة القليلة القادمة. 

مرحلة جديدة  فى العلاقات أطلقتها موسكو وبيونج يانج، اقتربت من آلية التحالف الكامل وبناء سياسات مشتركة حيال الملفات الإقليمية والدولية. فى زيارة استثنائية لكوريا الشمالية قام الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، بتوقيع اتفاق شراكة استراتيجية، شملت جوانب أمنية وعسكرية وسياسية، تهدف لتعزيز علاقات البلدين ومساعدتهما على مواجهة الضغوط الغربية والعقوبات الأمريكية.

توقيع اتفاقية  «التعاون الاستراتيجى الشامل» يعد تطورا غير مسبوق، حيث تتضمن بندا يتحدث عن «الدفاع المشترك» فى وجه أى عدوان يتعرض له أحد البلدين
هذه هى المرة الأولى فى تاريخ روسيا المعاصر الذى يتم فيه وضع أسس قانونية لتحالف عسكرى مباشر مع بلد من خارج المنظومة السوفيتية السابقة. إذ لم تكن روسيا قد وقعت فى السابق معاهدة ثنائية تحمل توجها مماثلا إلا مع حليفتها الأقرب بيلاروسيا. وكانت قد وقعت كوريا الشمالية معاهدة عام 1961 مع الاتحاد السوفيتى تضمنت تعهدات بالدعم المتبادل فى حالة وقوع هجوم.  

اقر أ أيضًا|  عالم غريب| هيكل يحيّر الشرطة

وعكست الحفاوة التى استقبل بها بوتين فى كوريا الشمالية، درجة اهتمام الطرفين بإظهار عمق العلاقة والاستعداد لتطويرها سريعا. وتمثل زيارة بوتين جزءا من حملة روسيا لتأمين «مساحة استراتيجية» فى شمال شرق آسيا لمواجهة النفوذ الأمريكى فى المنطقة. وهذه النية واضحة أيضا عبر زيارة بوتين إلى فيتنام» التى زارها الرئيس الروسى بعد كوريا الشمالية». وحظيت الزيارات باهتمام كبير فى الأوساط الدولية. تقول الولايات المتحدة وحلفاء لها إنها تخشى أن تقدم روسيا المساعدة لبرنامجى كوريا الشمالية الصاروخى والنووي، المحظورين بموجب قرارات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واتهموا بيونج يانج بتقديم صواريخ باليستية وقذائف مدفعية استخدمتها روسيا بحربها فى أوكرانيا. وتنفى موسكو وبيونج يانج تبادل الأسلحة.

يبدو أن  روسيا وكوريا الشمالية تقومان بتشكيل جبهة موحدة ومنسقة بشكل متزايد ضد الولايات المتحدة والغرب. حيث تأتى الزيارة فى أعقاب اجتماع بوتين مع الحليف الوثيق الزعيم الصينى شى جين بينج الشهر الماضى وبعد أن استغل الزعماء الديمقراطيون من مجموعة السبع قمة فى إيطاليا لإظهار  التضامن ضد حرب موسكو على أوكرانيا. ويأتى ذلك أيضا فى الوقت الذى اعترضت فيه كوريا الشمالية على التعاون الأمنى المتزايد بين الولايات المتحدة وحلفائها كوريا الجنوبية واليابان، مما أثار المخاوف من خطابها المتصاعد والاختبارات المستمرة لتعزيز برنامج أسلحة غير قانوني. ولا يزال من غير المعروف ما الذى تحصل عليه بيونج يانج مقابل دعمها للحرب الروسية لكن الحكومات من سيول إلى واشنطن تراقب عن كثب أى إشارات تشير إلى مدى استعداد الزعيم الروسي، الذى دعم فى الماضى الضوابط الدولية على برنامج الأسلحة غير القانونى لكوريا الشمالية، لدعم نظام كيم. والسؤال الآن، ماذا سيستفيد البلدان من بعضهما ؟ .  

ويقول مراقبون إن الأسلحة قد تكون أقل جودة من الأسلحة الروسية، لكنها ساعدت روسيا على تجديد مخزونها المتضائل ومواكبة دعم الأسلحة الذى تتلقاه أوكرانيا من الغرب. وقد يمكّن هذا الترتيب أيضًا كوريا الشمالية من الحصول على معلومات استخباراتية حول أسلحتها ومساعدتها على زيادة الصادرات على نطاق أوسع. وقال مسئولون كوريون جنوبيون إن جارتهم تتلقى شحنات من المواد الغذائية وغيرها من الضروريات من روسيا، ولا يوجد نقص فى احتياجات الاقتصاد الكورى الشمالى الذى يعانى من العقوبات، والذى يفتقر بالإضافة إلى الغذاء إلى الوقود والمواد الخام - ولكنه يسعى أيضًا إلى تعزيز برامجه الصاروخية والنووية. وأبدى بوتين استعداده لمساعدة كوريا الشمالية فى تطوير برنامجها الفضائى والأقمار الصناعية خلال اجتماعهما فى سبتمبر، والذى انعقد فى منشأة لإطلاق الصواريخ. ومنذ ذلك الحين ظهرت دلائل على تقديم مثل هذه المساعدة، بما فى ذلك الإطلاق الناجح لأول قمر صناعى للاستطلاع العسكرى لكوريا الشمالية «ماليجيونج -1» بعد أسابيع من الزيارة، بعد محاولتين فاشلتين. ويمكن لمثل هذه الأقمار الصناعية أن تساعد كوريا الشمالية على تحسين قدراتها العسكرية، وتمكينها من استهداف القوات المعادية بشكل أكثر دقة بصواريخها الخاصة.

ويُمنع على الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة تقديم المساعدة المباشرة أو غير المباشرة لكوريا الشمالية 

وكذلك المشاركة فى عمليات نقل الأسلحة مع بيونج يانج. لكن كيم يتطلع أيضًا إلى الوصول إلى المعرفة الفنية لمجموعة من الأسلحة الروسية المتقدمة، كما يقول الخبراء، بالإضافة إلى التكنولوجيا المرتبطة بتخصيب اليورانيوم أو تصميم المفاعلات أوتشغيل الغواصات النووية. ومع ذلك، فإن أى دعم من بوتين، الذى هو زعيم لدولة عضو دائمة فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يعد بمثابة نعمة كبيرة لكيم، المعزول على المسرح العالمي وبالنسبة لبوتين أيضاً، تمثل الزيارة فرصة لإرسال إشارة، أو تهديد، أن روسيا ليست وحدها.

الاتجاه الذى تسير فيه روسيا الآن سواء من خلال زيارة كوريا الشمالية وبعدها فيتنام، سوف يزداد خلال الفترة القادمة ليشمل جميع الدول التى تجاهر بمعاداة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، سواء فى آسيا أو إفريقيا أو حتى أمريكا الشمالية والجنوبية، وهذا النهج لن يتوقف عند إثارة حفيظة الغرب فقط، بل سوف يجبر الغرب على التصرف ضد تلك الدول عسكريا، مما يعنى أن العالم يتجه نحو تسلح جماعى يمهد لمواجهة عالمية.