أصل الحكاية| السد العالي: إنجاز هندسي أنقذ آثار النوبة وأحدث تحولًا في مصر

صورة موضوعية
صورة موضوعية

بنى السدّ العالي فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بمساهمة السوفييت وهو سد مائي على نهر النيل في جنوب مصر ساعد في التحكم على تدفق المياه والتخفيف من آثار فيضان النيل ويستخدم لتوليد الكهرباء في مصر.

ويشير خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار إلى أن أى مشروع مهما كانت عظمته له إيجابيات وسلبيات،  فقد غمرت المياه آثار النوبة نتيجة بناء السد العالى .

وبلاد النوبة كما نعرفها اليوم هي المنطقة الممتدة جنوب مصر وشمال السودان، بين الشلال الأول جنوبي أسوان، والشلال السادس شمال الخرطوم، وهى بلاد الذهب اشتق اسمها من كلمة "نوب" وتعني الذهب لوجود أكبر مناجم الذهب في أرضها بمنطقة العلاقي جنوب أسوان
ويوضح الدكتور ريحان أن آثار النوبة تعرضت للغرق ثلاث مرات قبل بناء السد العالي، المرة الأولى عند بناء خزان أسوان سنة 1902، وتبع ذلك ارتفاع منسوب المياه بشكل هدد الآثار، والمرة الثانية سنة 1912 والثالثة في سنة 1932، وفي كل مرة كان يتم إجراء مسح للمواقع الأثرية، وتسجيلها ورسم الخرائط اللازمة لها، وعندما تقرر إنشاء السد العالي أصبح واضحًا أن جنوب الوادي سيتعرض لارتفاع منسوب المياه بشكل دائم، ومن ثم أصبح من الضروري العمل لتلافي مخاطر ارتفاع منسوب المياه على المواقع الأثرية، وبدأت مصر فى بناء السد العالى عام 1954.

وكان ذلك إيذانًا بخلق بحيرة صناعية فسيحة من المياه ويرتفع منسوب المياه إلى 180 م فوق سطح البحر، وكان معنى هذا أن تغمر مياه البحيرة الجديدة جميع آثار بلاد النوبة المصرية والسودانية إلى الأبد.

لذلك تنبهت الحكومة المصرية فورًا إلى الخطر فبدأت تدعو كل الدول لأن تمد يد العون لمصر للمساعدة فى إنقاذ آثارها فى بلاد النوبة، واكتسبت اليونسكو شهرة كبيرة دوليًا في مجال التراث الثقافي مع حملة النوبة التي بدأت في عام 1960 لنقل معبدى أبو سمبل الكبير 
وقد ذكر ذلك الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة والإرشاد القومي في تلك الفترة في كتابه "رمسيس يتوج من جديد" بأنه فى يناير 1959 اقترح على مساعد المدير العام لمنظمة اليونسكو "رينيه ماهيه" أن تُعِد اليونسكو حملة دولية لإنقاذ آثار النوبة تجمع فيها المساهمات المادية والعلمية، وفي 6 أبريل 1959 قدمت مصر طلبًا رسميًا لليونسكو للمساهمة في إنقاذ آثار النوبة من الغرق. 

وقاد عالم الآثار المصري الدكتور سليم حسن، عام 1954 بعثة أثرية زارت منطقة النوبة، وقدم لليونسكو تقريرًا مهمًا عن وسائل إنقاذ معابد المنطقة ومدي تأثير بناء السد العالي على آثار النوبة، ونجحت البعثة في تسجيل وتقديم تقارير ودراسات علمية حول أهمية وندرة معابد النوبة المعرضة للاندثار، واشترك في هذه العملية نحو 50 دولة تقدمت بعضها بالمساعدات المالية، وأخرى بالمشاركات العملية، في أكبر عملية إنقاذ تراث إنساني في العالم. واستغرقت 20 عامًا نُقل خلالها 22 أثر 
وأدى هذا إلى اعتماد اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي في عام 1972. وأنشئت لجنة التراث العالمي في عام 1976، وأدرجت أولى المواقع في قائمة التراث العالمي في عام 1978.

وأوضح الدكتور ريحان أن الآثار الذى تم إنقاذها "معبد فيلة، معبد دابود، معبد قرطاسى، معبد طافه، معبد كلابشة، معبد بيت الوالى، معبد دندور، معبد جرف حسين، معبد الدكة، معبد كوبان، معبد وادى السبوع، معبد عمدا، معبد الدر، قلعة قصر إبريم، معبدا "أبوسمبل"، معبد أبو عوده".

وبخصوص معبدى أبو سمبل، فقد تولت شركة سويدية "أطلس كوبكو" وعدة شركات إنقاذه حيث أن تحريك المعابد المنحوتة فى الصخر يتطلب نزع الصخرة فوق أسطح المعبد، ثم تقطيع الأسقف والجدران وواجهات المعبد إلى كتل يتراوح وزن كل منها ما بين 20 و 30 طن وكانت المشكلة أن المعابد محفورة في الحجر الرملي المسامي، فبرزت استحالة استخدام المتفجرات بطريقة موسّعة، ولذلك تمت إزالة الكتل الحجرية فوق أسطح المعبد بالجرافات وتم قطع الجدران والأسقف والواجهة الى كتل بمناشير يدوية .

اقرأ أيضا: الورقة التاريخية | «إرث الحضارة».. تاريخ نقل معبد أبو سمبل في منتصف الستينيات  

وتابع الدكتور ريحان أن الموقع الجديد لمعبدى أبو سمبل على بعد حوالي 200 متر من الموقع القديم ويرتفع 65 م ولذلك وَجُب مراعاة محاذاة المعابد لبعضها البعض تمامًا كما كانت من قبل، وشيّدت القباب العملاقة فيما بعد فوق أسطح المعابد، واستخدمت الكتل الحجرية الناتجة عن أعمال التنقيب السابقة لصنع تلال تبدو طبيعية فوق القباب، وتم وضع حوالي 330000 متر مكعب من الحجر فوق القباب، انتهى العمل في نقل معابد أبو سمبل في 22 سبتمبر 1968 بحفل افتتاح كبير، وكلف المشروع بأكمله حوالي 200 مليون كرونة سويدية لإكماله (حوالي 1.7 مليار كرونة سويدية بالقيمة النقدية الحالية). وتم وضع معابد أبو سمبل على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 1979.