نوبة صحيان

أكثر من «محمود مختار»

أحمد السرساوى
أحمد السرساوى

تمر الخميس المقبل 90 سنة على رحيل نحات مصر الأكبر فى تاريخنا المعاصر، المثّال محمود مختار، الذى أعتبره بمثابة فنان الشعب لمدرسة النحت المصرى الحديث.. مثلما مثّل سيد درويش «فنان الشعب» لفنون الموسيقى والغناء.

عاش العملاقان مختار ودرويش بنفس الفترة الزمنية بدايات القرن العشرين (الأول مواليد 1891، والثانى 1892) ورغم اختلاف مشوارهما الفنى.. إلا أنهما تألقا معا، وثارا ضد الاحتلال معا، فكانا من أبرز وجوه ثورة 1919، والمفارقة أنهما مثلما التقيا فى الثورة والعبقرية والموهبة الفذة، اختطفهما الموت فى ذروة التألق والإبداع والشباب (مختار 43، ودرويش 31 سنة).

وإذا كان فنان الشعب سيد درويش مازال يُلهب حماسنا ووطنيتنا حتى الساعة، بنشيده الخالد «بلادى بلادى».. فإن مثّال الشعب محمود مختار مازال لليوم يُشعل خيالنا بأعماله العظيمة، وفى صدارتها تمثال «نهضة مصر» المُشرع بين النيل وبوابة جامعة القاهرة.

ومثلما يحمل «بلادى بلادى» قيمة معنوية عظيمة إضافة لجمال معانيه وموسيقاه..

فإن «نهضة مصر» يشع طاقة إيجابية متفردة تضفى عليه رمزية خاصة، فجانب عبقه الوطنى ولمساته الفنية فى تأكيد رسوخ أبو الهول، رمزا للقوة، يحمل رأس بشر على جسد أسد..

فهو أول تمثال عام يرمز لمصر الحديثة بفلاحة ملامحها فرعونية، ترفع يدها لهامتها وتتطلع للمستقبل، لتؤكد أنها إلهام حضارتنا ومصدر خيرها.

حدث ذلك بعد أن كانت التماثيل لا تُقام إلا للملوك والحكام.. وفوق كل هذا فإن معظم من تبرعوا لإقامة التمثال بقروشهم القليلة، كانوا من بسطاء الموظفين والفلاحين والعمال والطلبة وتلاميذ المدارس، بجانب مساهمة الحكومة.

ما أشد حاجتنا اليوم لمثل هذه الأفكار المشعة بالقوة والأمل، والتكاتف وشحذ همم الشعب بأعمال عظيمة مماثلة، لسجلات الحاضر، مثلما فعل بدر الدين أبو غازى أحد أهم من تولوا وزارة الثقافة وهو يحتفل بمرور 45 سنة على رحيل مختار عام 1979.. فما بالنا اليوم ومصر تشهد تحديات أضخم، ونجاحات أعظم، ولدينا أكثر من مختار.