يحيى الفخراني، اسم كبير في سماء الفن المصري، ثروة قومية للدراما العربية، يملك مشوار طويل استهله في بداية السبعينيات بعد التخرج من كلية الطب، والتي ترك مزاولة المهنة بها من أجل عشق التمثيل، إذا قمنا بإعداد قائمة قصيرة عن أهم الممثلين في تاريخ الدراما التليفزيونية بالتأكيد سيكون اسمه محفورا في مقدمتها، واستطاع على مدار أعوام أن يعتلي القمة بأعمال ستظل خالدة، جعل لشهر رمضان تحديدا رونقا خاصا، ورغم الغياب عن السينما، إلا أن انتظاره مسلسله الجديد يعد حدثا في حد ذاته، وغيابه عن رمضان يكون مؤثرا ومؤشرا سلبيا على التراجع، وهذا ما حدث خلال آخر 3 أعوام حينما ابتعد، قبل العودة من جديد هذا العام بمسلسل “عتابات البهجة”، ليعود الرونق لدراما رمضان.
لم يكن إرتباط اسم الفخراني بشهر رمضان لكونه أحد أهم الأبطال الذين تصدروا المسلسلات التي عرضت خلال الشهر الكريم سواء على مستوى الكيف أو الكم، لكن لسببين آخريين مهمين، الأول الإرهاصات الأولى لإرتباط شهر رمضان بالدراما كانت من خلال مسلسل من بطولته، والثانية أن الاعتماد الرسمي بإرتباط الشهر الكريم بالمسلسلات جاء مع مسلسل من بطولته، المسلسل الأول كان “أبنائي الأعزء شكرا” عام 1979 الذي تصدر بطولته عبد المنعم مدبولي وشارك الفخراني في بطولته ومعه عدد من الفنانين بينهم فاروق الفيشاوي وصلاح السعدني وآثار الحكيم وإخراج محمد فاضل، أما المسلسل الثاني فقد كان الجزء الأول من سلسلة “ليالي الحلمية” التي كتبها أسامة أنور عكاشة وأخرجها إسماعيل عبد الحافظ.
المسلسل الأول كان الإنطلاقة الحقيقة للفخراني، أما الثاني فقد كتب شهادة ميلاد البطولة الأولى في التليفزيون، ففي الفترة من نهاية السبعينيات حتى بداية التسعينيات كان تركيز الفخراني منصب حول المشاركة والتوهج مع جيل مخرجي الواقعية الجديدة في سينما الثمانينيات، ومع “ليالي الحلمية” وشخصية “سليم البدري” التي قدمها على مدار 5 أجزاء تحول الفخراني إلى أحد أهم فرسان الرهان في الدراما التليفزيونية بشكل عام والدراما الرمضانية بشكل خاص.
وخلال الفترة من 1989 حتى 1994، وهي الفترة التي شهدت حالة التراجع السينمائي، صب الفخراني تركيزه مع مشروعه الكبير وقتها، الأجزء الثلاثة المتتالية من “ليالي الحلمية” بداية من الجزء الثاني في عام 1989، الثالث عام 1990، ثم الرابع عام 1992، ذلك المشهد الذي رسم التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي شهدتها مصر منذ أربعينيات القرن الماضي، وصولا للتسعينيات، والتطورات التي شهدتها شخصية “سليم بك البدري”، والتي قدمها الفخراني.
مع حلول عام 1994 يخوض الفخراني تجربته الأولى في البطولة التليفزيونية المطلقة بعيدا عن “ليالي الحلمية” من خلال مسلسل “لا” للمخرج يحيى العلمي، وفيها قدم الشخصية الدرامية الأقرب إلى قلبه “مجهول النسب”، والتي قدمها فيما بعد بأشكال مختلفة في مسلسلات عديدة، فقد كانت البداية مع “عبد المتعال محجوب” الذي يجد نفسه في السجن بدون إثبات تهمة عليه، وأن اسمه تم تسجيله ضمن الوفيات، والمسلسل مأخوذ عن قصة لمصطفى أمين، وكتب له السيناريو والحوار عاطف بشاي، ومن بعده يعود الفخراني مرة أخرى لـ”ليالي الحلمية” مع الجزء الخامس الذي كان فيه أقرب لضيف شرف، وفي نفس العام يخوض الفخراني تجربة تليفزيونية فريدة من نوعها، وذلك من خلال إشتراكه في دوبلاج الرسوم المتحركة الأمريكي الشهير “قصة لعبة”، وقدم خلاله شخصية “وودي”، وحقق هذا المشروع نجاحا كبيرا وقت عرضه، ثم مشاركته في دور “شهريار” بـ”ألف ليلة وليلة”.
يتألق الفخراني مرة أخرى مع مسلسل “نصف ربيع الآخر” للمخرج يحيى العلمي والمؤلف محمد جلال عبد القوي، من خلال شخصية المحامي “ربيع الحسيني”، ثم تبعه بشخصية “بشر عامر عبد الظاهر” الشهير بـ”بوتشي” خلال الجزء الأول من مسلسل “زيزينيا”، الذي حمل اسم “الوالي والخواجة”، وكان من تأليف أسامة أنور عكاشة وإخراج جمال عبد الحميد، وقدم الفخراني الجزء الثانى من المسلسل الذي حمل اسم “الليل والفنار”.
الشخصية مجهولة النسب الثانية التي قدمها الفخراني، كانت من خلال دوره في مسلسل “لما التعلب فات”، الذي شارك في بطولته مع محمود مرسي، وقدم الفخراني خلاله دول “باهر العسال” الشخص المجهول الذي يظهر في حياة “نديم بهنس” النصاب السابق، ويحاول “العسال” إبتزاز “بهنس” على أساس كون الأول لديه مستندات تدينه، حتى نكتشف في النهاية أن “العسال” ابن “بهنس”.
يدخل الفخراني الألفية الجديدة بشخصية “سيد عبد الحفيظ” المعروف باسم “سيد أوبرا”، المحامي الشهير بألاعيبه للدفاع عن المجرمين وتجار المخدرات، والذي يتقاطع طريقه مع “عايدة” التي تسبب “أوبرا” في أن يفقد والدها ثروته، بالمسلسل الذي كتبه أسامة غازي وأخرجه أحمد صقر.
مع عام 2001 يقدم الفخراني الشخصية مجهولة النسب الثالثة، لكن هذه المرة بشكل أكثر وضوحا ومباشرة من خلال مسلسل “للعدالة وجوه كثيرة”، الذي ظهر في دور “جابر مأمون نصار”، رجل الأعمال الثري الذي أخفى طيلة حياته أنه مجهول النسب كونه طفلا غير شرعي، وبسبب جريمة لم يكن هو طرف فيها، في المسلسل الذي كتبه مجدي صابر وأخرجه محمد فاضل.
يضع الفخراني المشاهدين أمام حيرة واختلافات في وجهات النظر حول شخصية “رحيم المنشاوي” التي قدمها في مسلسل “الليل وآخره”، هل “رحيم” لديه الحق في موقفه مع أشقائه؟، أم أنه جنى عليهم وحرمهم من حقهم الشرعي؟، في المسلسل الذي كتبه محمد جلال عبد القوي وأخرجته رباب حسين، حول شخصية “رحيم” الرجل الصعيدي العصامي الذي لم يكمل تعليمه من أجل الحفاظ على أموال أسرته، وفي خريف العمر يقع في حب المطربة “حسنات”، ويرفض أشقائه الذين أصبحوا ذو مناصب هامة هذه العلاقة، فيقرر “رحيم” حرمانهم من الميراث.
ومع الشخص المجهول يقدم الفخراني تجربته الرابعة من خلال مسلسل “عباس الأبيض في اليوم الأسود” حيث يعود “عباس” بعد 20 عام في العراق ليجد نفسه يحمل اسم رجل آخر هو “لطفي”، ويكتشف أن زوجته تزوجت من صديقه، وعلى النقيض أسرة “لطفي” في انتظار عودته بفارق الصبر، والمسلسل شارك في تأليفه سمير خفاجي ويوسف معاطي، وأخرجه نادر جلال، ويقدم شخصية مزدوجة مرة أخرى بمسلسل “المرسى والبحار”، ثم السياسي “مصطفى الهلالي” خلال مسلسل “سكة الهلالي” عام 2006.
حققت ثنائية “حمادة عزو” و”ماما نونو” نجاحا جماهيريا كبيرا في المسلسل الكوميدي الاجتماعي الذي قدمه الفخراني مع كريمة مختار في مسلسل “يتربى في عزو” من خلال شخصية “حمادة” المدلل من قبل والدته “نونا”، والتي جعلت منه رجل خمسيني متعدد الزيجات والعلاقات النسائية، وشخص مستهتر ليس لديه قدرة على تحمل مسئولية عمله أو أبنائه، وتسبب في أن تتحول أموال العائلة إلى ديون متراكمة، والمسلسل تأليف يوسف معاطي وإخراج مجدي أبوعميرة.
لم تحقق مسلسلات “شرف فتح الباب” و”ابن الأرندلي” نفس نجاحات مسلسلات الفخراني السابقة، لكنه يعود بقوة عام 2010 من بوابة الدراما الصعيدية في مسلسل “شيخ العرب همام”، الذي حمل اسم آخر هو “آخر ملوك الصعيد”، وكان تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج حسني صالح، ثم يكرر الفخراني التجربة مع المؤلف عبد الرحيم كمال من خلال مسلسل “الخواجة عبدالقادر”، الذي يعد من الأعمال التي خاطبت العصر، حيث عرض وقت انتفاضة جماعة “الإخوان” وحالة التشدد الديني التي بدأت تلوح في الأفق، حتى يأتي الفخراني بشخصية “هربرت دوبرفيلد” الإنجليزي الذي يأتي من لندن إلى السودان أثناء الحرب العالمية الثانية ويعتنق الإسلام ويقوم بتغيير اسمه إلى “عبدالقادر”، ويعتبر المسلسل التعاون الأول بين الفخراني وابنه المخرج شادي.
يستمر الفخراني في التعاون الثالث مع المؤلف عبد الرحيم كمال، والثاني مع شادي الفخراني من خلال مسلسل “دهشة”، المقتبس من مسرحية الكاتب البريطاني الشهير وليم شكسبير، “الملك لير”، ومع نفس الثنائي يقدم الفخراني مسلسل “ونوس” عام 2016، وفي عام 2018 يقدم الفخراني مسلسل “بالحجم العائلي” تأليف محمد رجاء وإخراج هالة خليل، وبعده بـ3 أعوام يعود من جديد للتعاون مع الثنائي عبد الرحيم كمال وشادي الفخراني من خلال مسلسل “نجيب زاهي زركش”.