أخر الأخبار

المشهد

خالد محمود يكتب: خيري بشارة.. أب روحي في العشرين

خالد محمود
خالد محمود

■ بقلم: خالد محمود

كثير من المخرجين أستطاعوا عبر “أعمالهم”، أن يغيروا منهج وسلوك بشر، وكذلك نظرتهم لأنفسهم وللحياة، بينما المخرج الكبير خيري بشارة يفعل ذلك خارج الشاشة، بل وأجده النموذج الأمثل للتصالح مع النفس، ولأسلوب عيش كله حيوية وتفاؤل.. هكذا المبدع صاحب الـ77 عاما، أجده شابا في كل شيء، جريء.. صادق.. جاءتني فرصة لأكون بجواره يوميا لمدة أسبوع عبر فعاليات مهرجان “مالمو للسينما العربية”، حيث كان رئيسا للجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، يقابلني كل صباح ويسلم علي، ويسألني “مبسوط”، وكأنه يريد بالفعل أن أسعد باللحظة، يتحرك بين قاعات العروض، ويتعامل مع الجميع وكأنه شاب في العشرين، يصافح شباب الفنانين والمخرجين، ويشجعهم، كما لو كانوا نجوم كبار، خاصة صناع الأفلام القصيرة والروائية في تجاربهم الأولى.

حالة التسامح هذه انعكست على نظرته للأفلام المشاركة، حيث قال وهو يعلن الجوائز: “كل الأعمال تستحق بالفعل أن تكون فائزة”، وكأنه يوجه رسالة تقدير لصناع الأفلام، ويمنحهم الثقة في أنفسهم، وأمل في مواصلة المشوار، وقد منح جائزة أفضل فيلم للمخرجة الشابة المغربية أسماء المدير عن مشروعها الوثائقي الذى يمزج بين الشخصي والعام، فيلم “كذب أبيض”، كما منح جائزة السيناريو للمخرج الشاب السوداني محمد كردفاني عن عمله “وداعا جوليا”، وكذلك جائزة لجنة التحكيم الخاصة للمخرج اليمني الشاب عمرو جمال عن فيلمه “المرهقون”.

في مساء ليلة الختام كان المشهد الأهم، كان هناك شبه احتفال أقامه المهرجان، أمسك خيري بيد كل أصحاب الأعمال المتنافسة فائزين، ومن لم يحالفهم الحظ ممثلات ومخرجات ومخرجين وممثلين، وتبادل معهم الرقص على الموسيقى، وكأنه أب روحي للجميع.

وأرى نظرة المخرج محمد قبلاوي - المستشار الفني والإداري للمهرجان ومؤسسه - وهو يراقب خيري بشارة، ويقول: “إنه خيري بشارة”.

ظل مخرجنا الكبير يقص لي حكايات من المشوار، وكيف أنه كان مثلنا يسعى لكسب قوت حياته من أجل تعليم أبنائه، لم يغضب من أنهم يعيشون بعيدا عنه، فهو سعيد بحريتهم.. قلت له أنني وابنتي نحب دائما مشاهدة فيلمه “آيس كريم في جليم”، سألني: “هل تدرس السينما؟”، قلت له: “لا.. بل الذكاء الإصطناعي والإدارة”، فقال: “اتركها تدرس ما تحبه، فهي حياتها، وسعيد أن الجيل الجديد يُحب أعمالي، وينتظرها”.

حكى لي أنه لم يخضع لشروط المنتجين في عمله، رافعا شعار “المخرج سيد الموقف”، وأنه عندما شعر بإن هذا الشعار لم يعد كما كان، انسحب من المشهد، وقال على الشباب أن يغامروا من أجل أعمالهم وتحقيق أحلامهم.

المخرج خيري بشارة لا يحب تصدير الطاقة السلبية لجمهوره، ويحرص على حجب الأخبار السلبية عنهم، حتى لا يُصابوا بالحزن أو الاكتئاب.

قال واجهت نقدا شديدا قاسيا عقب الأيام الأولى لعرض فيلمه “كابوريا” موضحا بالقول: “تأثرت جدا، حتى أنني بعد العرض الخاص للفيلم، ودي أول مرة بأقولها، بكيت، ليس ضيقا من النقد، لكن لأنني شعرت أن أحدا لم يتذوق أو يدرك الجهد الكبير الذي بذلته في (كابوريا)، وكثيرون تنبأوا بفشل ذريع للفيلم، لكنه نجح وحقق إيرادات عالية جدا، وهنا تغيرت موجة الهجوم علي”.

اتذكر شهادته: “كل أفلامي أولادي أنت مش عاوز تحب واحد منهم أو عاوز تكرههم كلهم.. أنت حر، لكن ما تحاولش تكرهني أنا كمان فيهم، صحيح فيهم الحلو جدا، والعادي، لكن في النهاية كلهم أولادي، فإذا كان أغلب النقد لدينا إنطباعيا، وإذا كان فيلم زي (باب الحديد) اتشتم وقت عرضه، لا تسألني بعد ذلك لماذا أصبحت أستقبل النقد ببرود وبلادة”. 

مضيفا: “المخرج بشكل عام هو رؤية للعالم، واليوم لو تحدثنا عن السينما، فأنا لدي رؤية واضحة عنها، ومن الممكن أن أحب أفلاما ليست شبهي أو شبه المخرجين الآخرين، وهذا ما يجعلني أقول هناك مخرج شاطر لديه رؤية فنية، ومخرج ذكي، وأنا مع كل المخرجين الذين لديهم رؤية واضحة، بعيدا عن الخيال المجرد من الواقعية”، “أنا أعتبر أن السينما ليست شيئا واحدا، وليست تجارية بمعناها السيء، لكن بمعناها الشعبي، السينما ولدت في المقاهي ووسط الناس العادية، ومثل ما أحب السينما الخاصة التي أنجبت مخرجين كبار، أنا أيضا أحب السينما التي تعكس الواقع سواء حاليا أو قديما”.

سار خيري بشارة وراء قلبه ورؤيته فتنفتح أمامه عوالم مختلفة، ليُسجل كل اللحظات حوله، يحكي للناس ما يراه في حياته بالسينما، عشقه الذي ورثه من خاله المُحب لهذا العالم، يقرأ ويشاهد ويستمتع بالموسيقى ويحضر وجدانه لأن يقتحم الحياة الأخرى.


 

;