فيتو ضد وقف القتال بالتزامن مع مساعي التهدئة| مراوغات أمريكية غامضة في ملف غزة

بايدن ونتنياهو
بايدن ونتنياهو

■ كتب: أحمد جمال

سيطرت التناقضات على الموقف الأمريكي من الحرب في قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي قبل خمسة أشهر تقريبًا، التى كان آخرها استخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض «الفيتو» بمجلس الأمن ضد قرار جزائرى يدعو لوقف إطلاق النار في القطاع فى وقت تقول فيه إنها تستمر فى جهودها للوصول إلى هدنة إنسانية تنتهى بوقف القتال فى القطاع وتشارك فى اجتماعات باريس التى أحرزت بعض التقدم خلال الأيام الماضية.

حصل مشروع القرار الذى كان يرفض التهجير القسرى للسكان المدنيين الفلسطينيين، ويكرر مطالبة جميع الأطراف بالامتثال بالتزاماتها بموجب القانون الدولى. ويطالب بالإفراج الفورى وغير المشروط عن جميع الرهائن، على تأييد 13 عضوا - من بين أعضاء المجلس الخمسة عشر - فيما عارضته الولايات المتحدة الأمريكية وامتنعت بريطانيا عن التصويت.

وقبل الفيتو الأمريكي بيومين فقط، اقترحت الولايات المتحدة قرارا لمجلس الأمن الدولى يدعم «وقفا مؤقتا لإطلاق النار فى قطاع غزة فى أقرب وقت ممكن»، وينص الاقتراح على أنه «فى ظل الظروف الحالية، فإن هجوما بريا كبيرا فى رفح من شأنه أن يزيد من إلحاق الضرر بالمدنيين وتهجيرهم، وربما حتى للدول المجاورة. مثل هذه الخطوة ستكون لها عواقب وخيمة على السلام والأمن الإقليميين، لذلك لا ينبغى أن يستمر مثل هذا الهجوم البرى الكبير فى ظل الظروف الحالية».

◄ 3 مرات
استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو فى ثلاثة قوانين هدفت لوقف القتال فى القطاع، وفى الوقت ذاته تقول إن لديها رؤية تقوم على ضرورة وقف القتال وضمان عدم احتلال إسرائيل لأراضى القطاع، وهو ما يترك تساؤلات عديدة حول طبيعة الرؤية الأمريكية التى تصب فى صالح دعم إسرائيل ولكن عبر طرق ملتوية تسعى من خلالها الإدارة الأمريكية إلى اللعب على متناقضات عديدة وإضاعة مزيد من الوقت لكى تمهد الطريق أمام إسرائيل لتحقيق أهدافها التى فشلت فيها حتى الآن.

التناقض الأمريكى الشكلى ظهر فى مواقف عديدة أبرزها مشاركة رئيس الرئيس الأمريكى جو بايدن ووزير خارجيته أنتونى بلينكن إلى جانب وزير الدفاع لويد أوستن فى اجتماعات مجلس الحرب التى عقدها جيش الاحتلال مع بدء العمليات على قطاع غزة وهو ما يعنى التوافق الأمريكى الإسرائيلى بشكل كامل على خطط الحرب الحالية وأهدافها المعلنة وغير المعلنة، فى وقت تحاول فيه الإدارة الحالية أن تظهر كطرف وسيط وركزت جولات وزرائها والعديد من مسئوليها إلى المنطقة على بحث الوصول إلى تفاهمات تفضى لإنهاء القتال.

المراوغات الأمريكية لحماية إسرائيل تبدو كاشفة من خلال التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام الغربية وفى مقدمتها الإعلام الأمريكى على جرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين فى غزة، وتحاول الإدارة الأمريكية بكافة السبل أن تخفف أى ضغوط خارجية على إسرائيل وتدخل معها فى مهمة إلصاق التهم الجزافية بأطراف أخرى وتحميلهم مسئولية الدمار الشامل فى غزة وحالة التجويع لأكثر من 2 مليون مواطن، وهو ما ظهر من خلال تصريح بايدن بشأن معبر رفح، فى الوقت الذى تشيد فيه الإدارة بالجهود العربية والمصرية على وجه التحديد للتوصل إلى اتفاق ينهى القتال الدائر.

◄ اقرأ أيضًا | إيطاليا وأمريكا يحصدان ذهبية الفرق للرجال والسيدات بكأس العالم لسلاح الشيش 

◄ الاحتلال الجديد
ومؤخراً أكد وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن على رفض بلاده أى «احتلال جديد» لغزة بعد انتهاء الحرب، لكنه فى الوقت ذاته يقدم جميع التسهيلات التى تساعد الاحتلال تنفيذ جميع أهدافه فى غزة بما فيها احتلال القطاع وإفشال أى مساعٍ لإقامة الدولة الفلسطينية وذلك من خلال الدعم العسكرى الواسع للحرب الدائرة هناك وعدم استخدام أدوات ضغط حقيقية أو مرئية يمكن القول بأنها ستترك تأثيرات إيجابية على دفع إسرائيل لسحب قواتها ووقف القتال.

وفي نهاية الشهر الماضى، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، إن بلاده تسعى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية لإسرائيل، مضيفا أن إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، تعتقد أن هذه أفضل وسيلة لضمان السلام والأمن لإسرائيل والفلسطينيين والمنطقة ككل، ورغم أن الخطة الأمريكية تبدو مبهمة ولم تشر إلى مزيد من تفاصيلها غير أن ما يدحضها بشكل كلى هو حظر دخول جميع أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية وهى الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى إلى الولايات المتحدة.

يتفق الدبلوماسيون الذين تواصلنا معهم فى هذا التقرير على أن البعد التاريخى فى علاقة الولايات المتحدة وإسرائيل هو من يحكم المواقف التى تبدو فى ظاهرها متناقضة لكنها تخدم تحقيق أمن إسرائيل وضمان وجودها بما يساعد الولايات المتحدة على تحقيق مزيد من مصالحها فى المنطقة، وأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تدرك بأن رضاء إسرائيل يشكل الهم الأول ثم يأتى بعد ذلك أى مصالح استراتيجية أخرى وهو ما يجعل الولايات المتحدة تقبل بأن تتشوه صورتها التى تحاول رسمها كدولة تدافع عن الحقوق والحريات فى مقابل ضمان حماية إسرائيل وتحقيق جميع أهدافها.

◄ ذراع أمريكا
وأكد السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن إسرائيل هى ذراع الولايات المتحدة الأمريكية فى الشرق الأوسط لاستنفاد المنطقة وتفريقها وإيجاد المبررات الكافية للتدخلات الأمريكية فيها، وأن الإدارات الأمريكية تنظر إلى دولة الاحتلال باعتبارها الحليف الموثوق به فى الشرق الأوسط وهو ما يسفر الحضور الأمريكى لخطة الحرب الحالية ضد القطاع، بعد أن أثبتت عملية طوفان الأقصى مدى هشاشة إسرائيل من الداخل وحاجتها إلى الولايات المتحدة والدول الغربية للوقوف إلى جانبها.

وأوضح أن الولايات المتحدة توافقت مع إسرائيل على خطة الحرب الحالية وتدعم القضاء على المقاومة الفلسطينية المسلحة ومازال هذا الاتفاق والتنسيق مستمرين، إذ إن أمريكا تمد دولة الاحتلال بالدعم العسكرى والمعلوماتى بالأقمار الصناعية وتقدم الدعم السياسى غير المحدود بحيث إنها تمنع أى قرارات تصدر بهدف وقف القتال لأن ذلك يعنى إحباط خطتها التى تساعد فى تنفيذها عبر مشاركة 2000 خبير عسكرى فى حرب المدن وشاركوا من قبل فى حروب أفغانستان والعراق، وأن تلك الخطوات تعبر عن الموقف الأمريكى الحقيقى من الحرب.

◄ مراوغات!
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تجد نفسها مضطرة للمراوغة وتحاول تصدير رغبتها فى وقف القتال ودعم إقامة دولة فلسطينية حتى لا تتضرر صورتها بشكل أكبر عما هى عليه الآن، لأن ما قام به الاحتلال فى القطاع من جرائم تدمير وإبادة جماعية أصاب صورة إسرائيل بشكل لم يحدث طوال تاريخها وكان للولايات المتحدة نصيب من هذا التشويه وهو ما أصاب أيضا بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهى الدول الداعمة بشكل كلى للحرب بدرجات أقل، لكن فى النهاية بدت الولايات المتحدة دولة استعمارية تساهم فى جرائم القتل العمد على شعب أعزل.

ولفت إلى أن الأحاديث الأمريكية عن حل الدولتين أمر ليس بجديد وهناك قرار أممى صدر فى عام 1947 بتقسيم أراضى فلسطين إلى دولة فلسطينية وإسرائيلية وكان قبول هذا القرار شرطاً للاعتراف بدولة إسرائيل داخل الأمم المتحدة وظلت دولة الاحتلال تراوغ لمدة عام ونصف تقريبًا قبل أن تقبل التقسيم من خلال القرار الذى حمل رقم «181»، وهناك قرار آخر صدر فى عام 1949 برقم «191» يقضى بضرورة عودة اللاجئين إلى منازلهم وقراهم وتعويضهم عما أصابهم من أضرار وأن قرارات حل الدولتين تكررت فى اتفاق أوسلو برعاية الرئيس الأمريكى الأسبق بل كلينتون ثم خارطة الطريق لإقامة دولة فلسطينية لكن جميعها قرارات لم تنفذ والحديث الأمريكى الجديد عنها هو بمثابة هروب إلى الأمام لتحسين الصورة الأمريكية.

وشدد على أن الولايات المتحدة التى تتحدث دائما عن رفض توسيع الحرب هى ذاتها من ساهمت فى توسيع رقعة القتال من خلال تدشين تحالف دولى لم تستجب له سوى بريطانيا إلى جانب عدد الدول التى شاركت بشكل شكلى لشن ضربات ضد الحوثيين فى اليمن، ورغم أن التهديدات الحوثية اقتصرت على ضرب السفن الإسرائيلية التى تمر عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر للضغط على دولة الاحتلال لوقف القتال فى غزة فإن الولايات المتحدة أوعزت إلى السفن التجارية بعدم إظهار خطط سيرها ومن ثم ضربها بما يجعلها توجد مبرراً للتدخل، وهو ما تسبب فى أزمات عديدة وساهم فى عسكرة منطقة البحر الأحمر.

وأكد أن الولايات المتحدة لا تريد وقف القتال قى غزة ولكنها من الممكن أن تدعم الوصول إلى هدنة مؤقتة يخرج بمقتضاها الأسرى الإسرائيلون لدى حماس ثم تترك إسرائيل تستكمل جميع خططها إلى أن يأتى رئيس جديد فى يناير من العام المقبل، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة تعانى الآن من عزلة دولية وظهرت واضحة فى الانتقادات التى تعرض لها وزير خارجيتها أنتونى بلينكن خلال مشاركته فى قمة العشرين الأخيرة.

◄ بلا مصداقية
وأكد السفير بركات الفرا، سفير فلسطين السابق بالقاهرة، أن الولايات المتحدة تخضع لإملاءات إسرائيل وتسعى للحفاظ على الشراكة الاستراتيجية معها وهو ما أفقدها مصداقيتها أمام العالم، كما أن ذلك أفقد قيمة حفظ السلم والأمن الدوليين واهتزت صورة الولايات المتحدة بشكل كبير الأمر الذى جعل المواقف تتخبط يمينا ويساراً ولكن بما يحقق فى النهاية خدمة إسرائيل.

وأضاف أن التوافق الأمريكى الإسرائيلى تاريخى لكن ما يجعل الولايات المتحدة أكثر دعماً الآن وجود رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وعدد آخر من الوزراء المتطرفين فى الحكومة الحالية وهو ما يجعل الإدارة الأمريكية تتجاوب مع مطالب متطرفة.