المدير السابق لـ«نيويورك تايمز»: الطلاب كشفوا الفشل الذريع للنخب الحاكمة الأمريكية

انتفاضة جامعية.. ضد الإدارة الأمريكية

الطلاب يكشفون نفاق الولايات المتحدة بشأن العدالة والسلام
الطلاب يكشفون نفاق الولايات المتحدة بشأن العدالة والسلام

■ كتبت: دينا توفيق

لم يتوقف الكيان الصهيوني عن وحشيته وجرائمه فى حق أهل غزة، ولم تتراجع الولايات المتحدة عن دعمها السياسى والعسكرى له مع منحه 26 مليار دولار بموافقة الكونجرس لاستكمال حربه فى القطاع، ضاربة عرض الحائط بما يحدث من تردٍ للأوضاع الإنسانية، والنداءات الدولية والمنظمات الحقوقية، حتى أثارت الإبادة الجماعية الصارخة التى ترتكبها إسرائيل احتجاجات فى أكثر من 33 جامعة فى جميع أنحاء الولايات المتحدة، ضد السياسة الأمريكية فى غزة والتى كشفت نفاق البلاد بشأن الديمقراطية.

■ طلاب جامعة جورج واشنطن يخيمون في الحرم الجامعي

امتدت الاحتجاجات ضد الحرب فى غزة إلى حرم الجامعات فى جميع أنحاء البلاد وتمتد إلى ما وراء الحدود وانتشرت فى أجزاء أخرى من العالم فى الأيام التى تلت اعتقال الطلاب فى جامعة كولومبيا.

الاضطرابات الحالية فى الجامعات والأمريكية تدين موقف الإدارة الأمريكية وتدعو إلى وقف إطلاق النار ووقف الاستثمار المؤسسى فى إسرائيل وتعليق العلاقات مع الهيئات التعليمية الحكومية الإسرائيلية، وإنهاء الأبحاث الجامعية "حول أسلحة الحرب" التى تمولها وزارة الدفاع، وسن قانون أكاديمى.

كما تدعو احتجاجات الجامعات إلى سحب استثماراتها من الشركات التى تستفيد من الحرب الإسرائيلية واحتلال فلسطين، بعد أكثر من ستة أشهر من بدء الحرب ومع تجاوز عدد القتلى فى غزة 34 ألف شخص. . كما تطالب بعض المجموعات فى الجامعات التى تجرى أبحاثًا عسكرية، مثل جامعة نيويورك وييل، من كلياتها إنهاء أى عمل لها يساهم فى تطوير الأسلحة المقدمة لإسرائيل؛ إلا أنه تم إلقاء القبض على طلاب جامعة "ييل" لأنهم حثوا الجامعة على قطع علاقاتها مع مصنعى الأسلحة العسكرية الذين يزودون الكيان الصهيونى بكل ما يمكن أن يفتك بأهل غزة. 

■ جامعة تكساس والاحتجاجات المناهضة لإسرائيل

◄ حرم الجامعات
وأصبحت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين والمؤيدة لإسرائيل سمة بارزة فى حرم الجامعات منذ هجوم حماس على إسرائيل فى 7 أكتوبر، وقد وصلوا إلى ذروتهم فى ديسمبر عندما أدلى رؤساء جامعات هارفارد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة بنسلفانيا بشهادات مثيرة للجدل أمام الكونجرس حول معاداة السامية فى الحرم الجامعي، سواء كانت حقيقية أو افتراضية. ولكن عادت التوترات إلى الاشتعال فى الأسبوع الماضى بعد أن أدلت رئيسة جامعة كولومبيا "نعمت شفيق" بشهادة أمام الكونجرس؛ والتى ركزت، بحسب وكالة "أسوشيتد برس"، على محاربة معاداة السامية بدلاً من حماية حرية التعبير. ونصب الطلاب خياما فى الحديقة الرئيسية فى كولومبيا لإظهار التضامن مع غزة. ثم اتخذت شفيق الخطوة المثيرة للجدل باستدعاء الشرطة للقبض على المتورطين.

ونتيجة لذلك، يتم تصنيف المظاهرات من قبل الكونجرس، ومن قبل الرئيس الأمريكى "جو بايدن" وإدارة البيت الأبيض، ومن قبل جميع وسائل الإعلام الرئيسية هناك على أنها مظهر من مظاهر معاداة السامية. ولكن كما هو الحال دائمًا، تخلط الصحافة التى يسيطر عليها اللوبى اليهودى بين انتقاد الإدارة الأمريكية المعارضة لذبح المدنيين الفلسطينيين الأبرياء ومعاداة السامية، وهو السلاح الذى سمح للصهاينة بالإفلات من العقاب على القتل لأكثر من ثلاثة أرباع قرن، وفقًا لموقع قناة RT الروسية. وقد دعا بايدن الأمريكيين إلى التحدث علنًا ضد التصاعد المقلق لمعاداة السامية فى الولايات المتحدة فى أعقاب الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين فى جامعة كولومبيا، مما زاد من تأجيج الموقف، خاصة أن هذا التلفيق الأخير واتباع سياسة فرق تسد يتم استخدامه لتبرير إلقاء القبض على المواطنين الأبرياء المستهدفين الملتزمين بالقانون باعتبارهم منشقين يعارضون الإبادة الجماعية والخيانة للحرية الأمريكية، بحسب ما نشرته صحيفة "US Today".

◄ شجاعة أخلاقية
ووفقًا للصحفى الأمريكى "كريس هيدجز" والمدير السابق لصحيفة "نيويورك تايمز" فى الشرق الأوسط، يُظهر الطلاب المتظاهرون فى جميع أنحاء البلاد شجاعة أخلاقية وهو ما يخجل كل مؤسسة أمريكية كبرى فى البلاد، يكشفون الفشل الذريع من قبل الإدارة والنخب الحاكمة ومؤسساتها فى وقف الإبادة الجماعية للفلسطينيين. ولم يستنكر أى من رؤساء الجامعات تدمير إسرائيل لكل جامعة فى غزة. ولم يدع أى من رؤساء الجامعات إلى وقف فورى وغير مشروط لإطلاق النار. ولم يستخدم أى من رؤساء الجامعات كلمات "الفصل العنصرى" أو "الإبادة الجماعية". ولم يدع أى من رؤساء الجامعات إلى فرض عقوبات وسحب الاستثمارات من إسرائيل.

ويضيف هيدجز موضحًا، ينحنى رؤساء هذه المؤسسات الأكاديمية أمام المانحين الأثرياء واللوبى اليهودى والشركات - بما فى ذلك الشركات المصنعة للأسلحة - والسياسيين اليمينيين المسعورين. لقد سمحوا للمعتدين - الصهيونية ومؤيديها – بتصوير أنفسهم كضحايا. إن هذه الرواية الكاذبة، التى تركز على معاداة السامية، تسمح لمراكز السلطة، بما فى ذلك وسائل الإعلام، بحجب القضية الحقيقية – الإبادة الجماعية وحق الفلسطينيين فى وطنهم.

وتعرض الطلاب الذين تم اعتقالهم أو إيقافهم، بسبب إقامتهم مخيمات فى جامعاتهم تضامنا مع الفلسطينيين فى غزة، إلى الشيطنة من قبل السياسيين؛ الغالبية العظمى منهم هم من المتظاهرين السلميين الذين طغت عليهم أقلية من الجهات الفاعلة السيئة، وبعضهم ربما لا ينتمون حتى إلى الجامعات التى تجرى فيها هذه المظاهرات. ونشرت صحيفة "نيويورك بوست"، تقرير يشير إلى أن منظمة المجتمع المفتوح التابعة إلى الملياردير الأمريكى "جورج سوروس"، هى التى تغذى الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين فى الجامعات الأمريكية، مثلما فعل فى أوكرانيا عام 2014 بعدما دفع ببعض الأشخاص فى الاعتصام السلمى لتأجيجه لتحقيق مصالح الرأسمالية المعولمة وليست المصالح الأمريكية. 

◄ الدولة البوليسية
تعمل تكتيكات الدولة البوليسية العنيفة على اعتقال المئات من هؤلاء المتظاهرين المناهضين للإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل، بهدف قمع هذه الحركة الشعبية الأخيرة ذات النوايا الحسنة. سوف تتلاشى موجة الاحتجاج الحالية أيضًا نظرًا لأن جميع الحركات المناهضة للحرب السابقة تأتى وتذهب، وتواجه نفس المصير. يتم حاليًا تحويل التركيز العام بعيدًا عن الحرب العالمية الثالثة التى كانت قيد الإعداد، وأجندة أنصار العولمة للإبادة الجماعية الأكبر ضد الجنس البشرى. ولكن هذه الاضطرابات المتزايدة فى الحرم الجامعى هى مجرد مقدمة لما سيأتى خلال أشهر القادمة. وبأعداد متزايدة، سوف يثور آلاف الأمريكيين ضد القمع المتزايد للدولة البوليسية الأمريكية وسط الانهيار المالى والاقتصادى الكامل لهذه الدولة. 

◄ مرحلة مخزية
ووفقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانية، خلال الأسبوع الماضى، وقف زعيم الأغلبية فى مجلس النواب والمدعوم من اللوبى الصهيونى "إيباك"، "مايك جونسون"، أمام مكتبة جامعة كولومبيا، يهدد بإقالة رئيسة الجامعة بسبب تراخيها المزعوم فى التعامل مع ما يشير إليه جونسون بـ "الخروج على القانون" الذى أظهره النشطاء المناهضون لإسرائيل فى الجامعات. لم تكون هناك كلمة انتقادية حول ما تفعله إسرائيل باستثناء المناشدات الغامضة على غرار بايدن لاتخاذ بعض الخطوات "الإنسانية" لتقليل عدد القتلى، والتى يتجاهلها رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو". وعلى العكس من ذلك، يكافئ الكونجرس وبايدن الكيان الصهيوني على سلوكه بمنحه المساعدات الخارجية الأخيرة التى قدموها بقيمة 26 مليار دولار لإعادة تسليح جيش الاحتلال، وهو ما لم تعد واشنطن المثقلة بالديون قادرة على تحمله على الرغم من ادعاء بايدن أن الهدية ستجعل العالم أكثر أمانًا وسيُذكر على أنه "يوم جيد للسلام العالمى".

هناك العديد من الفترات المخزية في التاريخ الأمريكي، بحسب ما ذكره هيدجز، بداية من الإبادة الجماعية التى كانت ضد السكان الأصليين والعبودية، إلى القمع العنيف للحركة العمالية الذى أدت إلى مقتل مئات العمال، والإعدام خارج نطاق القانون مرورًا بكل من فيتنام والعراق  وأفغانستان وليبيا والآن الإبادة الجماعية فى غزة التى تقوم الولايات المتحدة بتمويلها ودعمها، ستكون لها أبعاد كبيرة لدرجة أنها ستحتل مكانة بارزة فى مجمع الجرائم الأمريكية.