تساؤلات

المسائل

أحمد عباس
أحمد عباس

المسائل لا تؤخذ بهذه الجدية والدراما ولا جدوى فى ذلك، فالمسائل إذا ما احتدمت واستعرت تبقى فى النهاية مجرد مسائل ليس إلا، إذن فإن لم تكن مضطرا للمسائل فلا داعى لها أصلا حافظ على المسائل بابتعادك عنها قدر ما تستطيع، طلعت أو نزلت هى مسائل فقط فلا تحمل المسائل ما لا تحتمل، هذه نصيحة واضحة سمعتها مرة من عجوز يهزى بالشارع يقال عنه إنه كان مرموقا جدا ثم حدث له لسع مفاجئ فى المسائل، قال لي: حافظ دائما على المسائل ولم يقل أى مسائل يعنى وأنا لم أسأله لكننى عملت بنصيحته واجتهدت جدا فى الحفاظ على المسائل.


ومن باب الحفاظ على المسائل آمنة مطمئنة خلعت رأسى واستبدلته بقليل من المسائل، ووضعتها فى درج المسائل لئلا تسيح وتغرق المسائل وتصير المسائل كلها على بعضها ثم جلست فى المساء أشاهد المسائل على شاشات المسائل، سمعت كلام يدوخ عن المسائل ثم سابت منى المسائل وصارت تخبط فى بعضها رجفة من اقتراب موعد المسائل، فنصحنى المقربون بأن أعاود طبيبا للمسائل حتى أطمئن، فقال إننى أعانى من التهابات شديدة واحتقان فى المسائل ووعدنى باستشارة قريبة ثم سألته هل لى علاج عندك؟، فقال: آسف والله مفيش مسائل.
وذات ليلة ذاع صيت المسائل وصارت أشهر من كل شيء وزاد الإقبال عليها فى كل شبر وعلا الهتاف: عايزين مسائل.. عايزين مسائل، ثم نغموا الطلب ليصير بعدها هتافًا، ثم لما راحت الناس تسأل عن المسائل قالوا لهم إنها شحيحة جدا والسوق تشهد نقصًا حادًا فى المسائل الكبيرة فطلبت الناس مقاسا أصغر من المسائل فقالوا لهم إن المسائل انتهت ولم تعد متوفرة إطلاقا حتى المقاسات الصغيرة شحيحة لأنه لما شحت المسائل الكبيرة لجأ الناس لاستبدالها بقطعتين أو ثلاث من المسائل الصغيرة وأوصلوها ببعض لتكبر المسائل وتغطى مقاس المسائل لذلك لم تعد هناك مسائل تمامًا، ثم نصحوهم بعدم البحث عنها بالمرة إذ لما تتوفر سيعرفون وحدهم من مشاهدة المسائل أن المسائل توفرت.
الرجل فى المقهى وضع ساق على ساق وخبط كفِ بكفِ وكّح ليزيل حشرجة حبست صوته وطلب واحد مسائل زيادة غامق محوج، فضحك الولد ضحكة جلجلت فى الأرجاء وقال: آسف يا بيه والله مفيش مسائل، اعتدل الرجل بسرعة ورد: يا ابنى يعنى إيه مفيش مسائل إذا كان اسم المكان على اسم المسائل فكيف لا تشترون منها، وبعد مناهدة طويلة وصل صاحب المسائل وعرض على الرجل تلبية رغبته لكنها ستكون سادة بدون مسائل، فامتعض الرجل أكثر وطلب تحويجة صغيرة فى ورقة «قرطاس» يصنعها هو فى مكان ويضيف إليها ما تيسر من مسائل.
البقال بعلو حسه صرخ فى الزبائن صرخة واحدة سّلكت زوره وقال: يا اخواننا.. يا اخواننا مفيش قولنا ١٠٠ مرة خلاص بطلناها ولا نبيع المسائل، أما إذا كنتم مصرين على المسائل فسأطلب لكم المسائل فنحن ناس أشراف لا نفعل إلا ما نقول، وأضاف: إلى كل سائل.. مفيش مسائل.
ثم لما تعب الناس من الهُتاف انصرفوا إلى مضاجعهم وغطوا فى نومهم يحلمون متى تتوفر وماذا كان طعمها وكيف كانت حلاوتها ولماذا شحّت فجأة بينما كانت وفيرة من قبل ولم يكن إنسانًا يسأل عنها، كانت المسائل «مرطرطة» فى كل مكان لا تجد زبونًا واحدًا يعبرها بغمزة، لماذا صارت المسائل هكذا درب من دروب المسائل.