رحلة «هاكرز» من السطو الإلكتروني إلى غسيل الأموال

الهاكرز
الهاكرز

محمود‭ ‬صالح‭ ‬

  هل القرصنة الإلكترونية تدر دخلا كبيرًا أم أنها مجرد «سبوبة» يمتهنها بعض الشباب؟ إجابة هذا السؤال كانت محيرة، لكن واقعة واحدة، دارت أحداثها في محافظة كفر الشيخ، أوضحت إجابة هذا السؤال.. وهي أن القرصنة الإلكترونية تدر دخلا كبيرًا، الأمر الذي جعل شابان يجمعان مدخرات ما تحصلا عليه من عملهما في سرقة المحتويات والهاكرز لتوظيف هذه الأموال في شراء عقارات وأراضي.. تفاصيل أكثر عن رحلة الهاكرز من سرقة المحتويات إلى غسل الأموال نرويها لكم في السطور التالية.

أحدهما لم يتجاوز عمره الثلاثين عامًا، والآخر يصغره بنحو 4 سنوات، يمتلكان موهبة لا بأس بها في استخدام الشبكة العنكبوتية، أدركا في سن صغيرة هذه الملكة، وعملا على تنميتها، لكن في الطريق الخاطئ.

الأمر في البداية لم يكن الغرض منه الربح، إنه الشغف الذي جرهما إلى هذا الطريق جرًا، حب التطلع، لكنهما بدلاً من أن يستخدما هذه الملكة فيما ينفع، أدركا أن بإمكانهما أن يستغلاها فيما هو يضر، دون أن يعود الضرر إليهما.

الضرر هنا واقع على أصحاب المنصات الإعلامية، من أفلام ومسلسلات عربية وأجنبية وبرامج مختلفة وخلافه يسرقها الاثنان لكن في مقابل هذا الضرر سيعود الأمر بالنفع عليهما، وأي نفع، إنه النفع الذي سيجعلهما من أرباب الملايين أو بالأحرى، سينقلهما من حلم الشباب في الثراء السريع إلى إمكانية تحقيقه.

موقع إلكتروني 

في البداية لم يكن الأمر سوى صدفة، أنشأ الشاب وصديقه موقعًا إلكترونيًا على الشبكة العنكبوتية، الهدف من إنشاء هذا الموقع هو حفظ بعض المحتويات التي تخصهما، بغرض الاحتفاظ بها في المقام الأول، والغرض الآخر الرجوع إليها في أي وقت شاء الصديقان.

 لكن دون ترتيب مسبق، اكتشف الأصغر أن المحتويات التي رفعت على الموقع حققت عددًا لا بأس به من المشاهدات، الأمر الذي بدوره سيحقق لهما دخلا في المقابل.

بالفعل، في غضون أيام، كان الشاب وصديقه قد تحصلا على أرباح هذه المشاهدات، وأصبح الأمر من مجرد حفظ هذه المحتويات، إلى امتهان هذه الفعل الذي حقق لهما أموالًا ما كانا يستطيعان تحقيقها من غيره.

هذه «سبوبة»، أو هكذا وجدا بالأحرى، كنزًا بات عليهما أن يغرفا منه وقتما شاءَ، لكن لم يأت في مخيلتهما يومًا أن فعل كهذا له عقوبة، وعقوبته رادعة.

عليه، أصبح الشابان لا يفعلان شيئا سوى الدخول على المواقع والمنصات المختلفة، وباستخدام التكنولوجيا المتطورة والبرامج المتخصصة يسرقان المحتويات من أفلام عربية وأجنبية، ومسلسلات عربية وأجنبية، وبرامج بكافة أنواعها، سواء كانت ترفيهية أو غيرها، أضف إلى ذلك ألعابًا وأفلامًا للأطفال وخلافه.

الغرض من سرقة كل هذه المحتويات عرضها في الموقع الخاص بهما. وهكذا، يوميًا، يقرصنان على أي محتوى يجدان أنه سيدر لهما دخلا كبيرًا، حتى أصبح الموقع الخاص بهما يعج بمحتويات كلها مقرصنة، أي مسروقة، ليس لهما حقًا في امتلاكها، وبالرغم من ذلك، يمتلكانها ويحققان من ورائها دخلاً كبيرًا. 

غسل الأموال

إلى هنا كان الأمر بدا طبيعيًا، يسير بشكل لا تشوبه شائبة، يوميًا يعملان في السطو الإلكتروني. يوميًا ويجنيان أموالًا كثيرة، لكن أصبح أمامهما عائقًا لم يحسبا له يومًا حساب.

هذا العائق، كان متمثلاً في كثرة تلك الأموال التي تحصلا عليها، وهي في كيفية استخدامها وتصريفها دون أن يلفتا الأنظار، خاصة وأن هذه الأموال وصلت من كثرتها إلى حد بات الأمر بالنسبة لها صعبًا بل وشبه مستحيل في تصريف هذه الأموال.

قد تظن أن الأمر به بعض المبالغة، لكن هذه هي الحقيقة، بل أزيدك من الشعر بيتًا وأقول لك أن هذه المعضلة، والتي لم يكن يحسبان لها أي حساب، هي من أوقعت بهما في شر أعمالهما، أو كانت القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون.

بعد أن تحصل الشابان على هذه الأموال، فكرا في أن يستخدماها في شراء الأراضي والعقارات، ظنًا منهما أن هذا هو الملجأ الآمن في تصريفها. وبالفعل، ودون دراسة أو فهم، اشترى الشابان بهذه الأموال كمًا كبيرًا من العقارات والأراضي، وإلى جانب ذلك اشتريا أيضًا سيارات، باهظة الثمن، وظلا على هذه الحالة حتى هبط عليهما السؤال المعتاد، من أين لكما بهذا؟

إجابة هذا السؤال كانت البداية لكشف مخطط هذين الشابين، خاصة بعد أن قام رجال الأمن في مكافحة جرائم الأموال العامة والجريمة المنظمة في تتبع خط سيرهما، وتفاصيل عملهما، وكيف يحصلان على هذه الأموال.

وصلت نتيجة التحريات إلى أن الشابين يعملان في السطو الإلكتروني، والهاكرز، فهما يقومان بالقرصنة على محتويات رقمية، وعرضها على موقع إلكتروني خاص بهما. ويتحصلان في مقابل ذلك على أموال طائلة، بالإضافة إلى محاولتهما غسل تلك الأموال عن طريق شراء الأراضي والسيارات، إلى جانب إيداع بعض من تلك الأموال بحسابات بنكية خاصة بهما، وبأفراد أسرتيهما ببعض البنوك، بقصد إخفاء مصدر تلك الأموال، وإصباغها بالصبغة الشرعية، وإظهارها وكأنها ناتجة عن كيانات مشروعة.

عليه، تتبعت قوة مكافحة جرائم الأموال العامة والجريمة المنظمة، خط سيرهما، وألقى القبض عليهما، وبمواجهتهما بما وصلت إليه التحريات اعترفا بتفاصيل جريمتهما كاملة، بل وأضافا أن حجم الأموال التي كانا يقومان بغسلها حوالي 50 مليون جنيه، هي من متحصلات السطو الإلكتروني والقرصنة، احيل الشابان الى النيابة وبدأ التحقيق معهما.

العقوبة المنتظرة

في سياق متصل، أوضح الدكتور مصطفى سعداوي، أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة المنيا، أن هذين الشخصين سوف يواجهان عقوبتين مختلفتين، أولهما عقوبة سرقة المحتويات الرقمية والقرصنة وإدارة موقع إلكتروني دون تصريح، وفقًا للمادة 28 من قانون العقوبات، والتي تنص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 20 ألف، ولا تتجاوز 200 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين، كل مسئول عن إدارة موقع أو حساب خاص أو بريد إلكتروني أو نظام معلوماتي، إذا أخفى أو عبث بالأدلة الرقمية لإحدى الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون، والتى وقعت على موقع أو حساب أو بريد إلكتروني.

بالإضافة إلى هذه الجريمة، فإن المتهمين أيضا سوف يواجهان عقوبة أخرى، وهي عقوبة غسل الأموال، والتي تنص وفقا لآخر تعديل لها، والصادر في 11 مارس 2020 عقوبات، لكل من يثبت مشاركته في جرائم غسيل الأموال، أنه يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سبع سنوات، وبغرامة تعادل مثل الأموال محل الجريمة، كل من ارتكب أو شرع فى ارتكاب جريمة غسل الأموال.

اقرأ أيضا : ارتكب 90 جريمة إلكترونية.. سقوط أشهر هاكر أوروبى


 

;