إنها مصر

الدولة التى تسلمها الرئيس!

كرم جبر
كرم جبر

كتبت هذا المقال فى 3 أكتوبر 2012

الأقباط يعيشون فى خوف، ومنذ أيام جمعنى لقاء مع رجل أعمال قبطى ملياردير، يتحدث فى رعب عن المستقبل، وأن الإخوان لن يتركوا السلطة أبداً لا بالصندوق ولا بغيره، وأن الأحزاب المدنية واليسارية والناصرية والبرادعية وغيرها مجرد ظواهر صوتية ولا أمل فيها ولا رجاء، وأنه طالما هناك فقر وجياع فالفوز من نصيب من يوزع الزيت والسكر والأرز.

أما كلامه الخطير فيدور حول نقطتين: الأولى هى نصيحته لمن يخافون من الإخوان بالإرتماء فى أحضان الإخوان، وأن يتخذ منهم شريكا وحليفا حتى يأمن شرهم ويعيش فى البلد، والنقطة الثانية هى اعتقاده بأن الإخوان سيلجأون إلى تصفية خصومهم بعد أن يستتب لهم الأمر، ولديهم ملفات سيتم فتحها وملاحقة أصحابها.

بالطبع لا يمكن أن تلوم رجل أعمال قبطيا إذا كان يفكر بهذا الإسلوب، لأن رجال الأعمال المسلمين أنفسهم فعلوا نفس الشيء، وبدأ كثيرون منهم فى البحث عن أصحاب الذقون فى مصانعهم وشركاتهم ويضعونهم فى المناصب القيادية، ويفتش آخرون فى «شجرة العيلة» أملا فى العثور على جذور إخوانية يتباهون بها، واكتشف آخرون أن أصولهم إخوانية ولكن شغلتهم الدنيا الفانية.

أما غالبية الأقباط فبعضهم «خدها من قصيره» ونجح فى الهجرة ويصل عددهم إلى 90 ألف قبطى منذ الأحداث، وبعضهم يستيقظ وينام أمام السفارة الهولاندية بالزمالك أملا فى اللحاق بسعداء الحظ سابقيهم، ويصرخون ويستجيرون من المظالم.. ولكن ماذا عن الخمسة أو السبعة ملايين الأقباط الذين يعيشون فى مصر؟.

وأخوتهم المسلمون أيضا خائفون، الخوف من مشايخ متطرفين لا يعلم أحد من أين جاءوا، وتنطلق ألسنتهم كالمدفعية الثقيلة بالفتاوى الشاذة والغريبة، التى تفتت النسيج الاجتماعى المتماسك، وتنشر فتاوى تفتح الباب لعودة المظالم والجوارى والرق والعبودية واغتصاب الصغيرات تحت مظلة دينية.

الخوف من دستور يرسم الطريق إلى المستقبل، تضعه جمعية تأسيسية لا تؤتمن على تحصين الحريات العامة ولا المواطنة والمساواة التامة بين جميع أبناء الوطن، واقتنصها ذوو الميول الدينية المتشددة وأهل الثقة والأتباع والأهل والعشيرة.

أقباط مصر شركاء فى الخوف مع إخوانهم المسلمين، من حراس الدين الجدد، الذين ينطلقون فى الشوارع لتطبيق «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» وكأنهم دولة داخل الدولة ويهدد شرهم الجميع، فكما قتلوا طالب الهندسة المسلم فى السويس، قطعوا أذن مواطن قبطى فى قنا، ويهدمون الأضرحة ويحرقون الإنجيل ومعظمهم غير متعلمين، ويأخذون الفتوى بالذراع والفتونة والبلطجة وتخويف الناس.

أقباط مصر يشتركون مع إخوانهم المسلمين فى «الهم العام».. وبجانب ذلك لهم همومهم الخاصة، وآخرها التهجير الإجبارى الذى تعرضت له بعض الأسر المسيحية فى رفح، والأسوأ من التهجير هو تصريحات رئيس الوزراء، التى يقول فيها إن تلك الأسر هاجرت بمحض إرادتها ولم يجبرها أحد على ذلك، فإذا كانت تصريحات مسئول الحكومة الأول بهذا القدر من الكذب، فكيف يطمئن الناس بأن مشاكلهم وهمومهم سيتم التعامل معها بجدية؟.

نجح المتشددون من الجانبين فيما فشل فيه الأعداء والمستعمرون، من نشر الفرقة والفتن والتشرذم والعداوة والقطيعة، ولم يعد المصريون ذلك الشعب الذى لا تعرف فيه الفرق بين المسلم والمسيحى، فالمسلم يتباهى الآن بلحيته والمسيحى بصليبه، والمتشددون من الجانبين هم الزعماء وأصحاب الشعبية.

بنى وطنى لا يلجأون إلى الدولة المصرية اقتصاء للحقوق وارتضاءًً بالقضاء، ولكنهم يعتصمون بالمساجد والكنائس، بعضهم يهتف «بالروح بالدم نفديك يا إسلام» وبعضهم «نفديك يا صليب»، ولا نسمع أبداً «نفديك يا مصر»، وظهر المشايخ والقساوسة على مسرح الأحداث يفجرون الأزمات ويعبثون بالمقدرات، واختفت الدولة والأحزاب والسياسيون والمفكرون والعقلاء، وأصبحوا مثل الكومبارس الذى يكتفى بدور ثانوى فى قصة الوطن.