إنها مصر

الذكرى السنوية لكورونا !

كرم جـبر
كرم جـبر

فى مثل هذه الأيام من أربع سنوات بالضبط، ذكرنى «مارك» على فيس بوك بزيارة مكة المكرمة وأداء العمرة فى أوج انتشار كورونا، مع قليل جداً من المعتمرين لا يتجاوز العشرات، وكانت شوارع مكة وأزقتها وفنادقها وحواريها خالية تماماً من ضيوف الرحمن، ولا ترتفع أصواتهم بالدعاء الذى يجلجل السماء.

ودعوت الله أن يزيح الله البلاء والوباء، وأن تستجيب السماء لرسالات أهل الأرض والقلوب المرهفة والمشتاقة إلى زيارة بيت الله الحرام، «اللهم اصرف عنا الوباء، بلطفك يا لطيف، إنك على كل شيء قدير»، وأن تعود ملابس الإحرام البيضاء لتزين كل ركن فيها، وأصوات الحجيج تشق عنان السماء «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك».

كانت قلوب العاشقين تهفو إلى العودة لهذا المكان والطواف بالكعبة المشرفة والسعى بين الصفا والمروة.. أيام هى الأفضل فى الحياة، حين ارتداء ملابس الإحرام ونسيان الآلام والأوجاع والتقرب إلى المولى عز وجل، تشكو إليه ويعلو صوتك بالدعاء، وترجوه العفو والمغفرة والستر فى الدنيا والآخرة.

وتتجسد المعانى الروحية السامية فى مقطع للشاعر الراحل أحمد رامى فى رباعيات الخيام: «لا تشغل البال بماضى الزمان.. ولا بآتى العيش قبل الأوان»، وهى دعوة إلى «راحة البال»، والانسجام والهدوء والسلام، التسليم بقدرة خالق الكون.

هنا إكسير الحياة وسر الهدوء والصفاء والسكينة، وتضفى على وجه صاحبها الراحة والسلام، وتشع فى صوته الصفاء والمحبة وتجعل الأعصاب ساكنة ومستريحة والابتسامة تأتى من الأعماق والنظرة للناس بنفس متصالحة.. فالبال هو الحال والشأن.

تذكرت هذه المعانى وأنا أطوف بالكعبة فى آخر زيارة لى لأداء العمرة منذ شهرين، ويقولون: أفضل الدعاء بمجرد أن ترى عينيك الكعبة هو: الحمد لله، وأن يستغنى الإنسان عن مغريات الحياة، فيؤمن أن اللقمة التى تهضمها معدته حتى لو كانت «عيش حاف»، أفضل مليون مرة من مباهج الطعام التى لا تستطيع معدته أن تهضمها، أو يكون محروماً منها بسبب العلل والأمراض، فيعرف معنى: الحمد لله.

ذكرنى «مارك» أيضاً بزيارتى للمدينة المنورة ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت فى نفس حال مكة المكرمةً، تشتاق لضيوف الرحمن بقدر اشتياقهم لها، وأن تعود الشعائر الروحية فى أقدس بقاع الأرض.

كانت حكمة المولى عز وجل فى عام الوباء عظيمة، ليشعر الإنسان بقسوة الحرمان من شعائر عظيمة، تغسل الإنسان من ذنوبه وآثامه وتذكرنا بنعمه وفضله، وفى نفوس العاشقين والهائمين والمشتاقين لوعة، لترتفع الأصوات بأفضل نداء «لبيك اللهم لبيك».

ومن الأقوال المشهورة التى لا أعرف صاحبها: الحياة كالبيانو هناك مفاتيح بيضاء وهى السعادة، وهناك مفاتيح سوداء وهى الحزن، ولكن تأكد أنك ستعزف بالاثنين لكى تعطى الحياة لحناً.. وعندما تضيق بالبشر تذكرهم بأن طريق الله يتسع للجميع.