فى الصميم

أسعار الكتب المدرسية.. ونظرية «الشىء لزوم الشىء»

جلال عارف
جلال عارف

الضجة التى ثارت حول الكتب المدرسية الخارجية وأسعارها الملتهبة.. قد يكون بعضها حقيقيًا وبعضها مفتعلاً، لكنها تعكس وضعاً تزداد فيه الضغوط على أولياء الأمور، وتفتقد فيه السوق الضوابط الصارمة. ارتفاع أسعار هذه الكتب متوقع، ولكن ترك الأمر للموزعين لكى يحددوا الأسعار بأنفسهم أمر لا ينبغى أن يحدث.

ومع ذلك.. فكل ما ذكرناه هو الجزء اللافت للنظر من المشكلة، أما الأهم فهو أن نجيب على الأسئلة الضرورية، وفى مقدمتها: لماذا أصبح الكتاب الخارجى ضروريًا عند معظم التلاميذ؟ وكيف يظهر فى الأسواق قبل موعد بدء الدراسة بكثير، بينما كتب الوزارة تتلكأ فى المطابع؟ وهل من أمل أن تعود لكتب الوزارة مكانتها الأساسية فى العملية التعليمية؟.

بعض الإجابة سنجدها فيما شهدته العملية التعليمية من تغييرات وتقلبات، عندما كانت المدرسة حاضرة وفاعلة، والمدرس يقوم بواجبه، والكتاب المدرسى نستلمه قبل بداية العام الدراسى..

لم يكن للكتب الخارجية دور يذكر، كانت تطبع فى منتصف العام وتركز على حل امتحانات سابقة.لكن الأوضاع تغيرت كثيراً وستظل كذلك حتى تعود المدرسة لتؤدى دورها، وحتى يعود المعلم ليكون ـ كما كان دائماً القدوة والمثال.. وحتى تنتهى ظاهرة الدروس الخصوصية، وتختفى «السناتر» التى لابد أن يكون معها الكتاب الدراسى «الخارجى».. لأن الشىء لزوم الشىء، كما شرح لنا ذات يوم فنان الكوميديا الأعظم نجيب الريحانى فى رائعته السينمائية الباقية دوماً!!

نعم، الشىء لزوم الشىء، والكتاب الدراسى الخارجى هو الحلقة الأخيرة فى قضية التعليم، ولهذا فالحل لابد أن يكون شاملاً وأن يبدأ بعودة المدرسة لدورها وعودة المعلم للمدرسة من الغربة فى عالم الدروس الخصوصية والسناتر..

والقضية ليست سهلة ولكنها ضرورية، وأمامنا الآن حديث من وزير التعليم عن استراتيجية جديدة معروضة للحوار، وهناك اجتهادات شهدها الحوار الوطنى بهذا الشأن، ورغم التحديات والصعوبات التى نواجهها فلا بديل أمامنا من إصلاح شامل للتعليم باعتباره المدخل الأساسى لأى نهضة حقيقية، وباعتباره أيضًا أحد أهم أسس الوحدة الوطنية عندما يتاح للجميع فتكون المدرسة (كما الجيش) مساحة لبناء الوعى بالمواطنة حيث يتساوى الجميع فى الحقوق والواجبات تحت سماء الوطن الواحد..

التحدى كبير بلا شك فى ظل الزيادة السكانية الكبيرة التى تحتاج للوعى بمخاطرها فى ظل الظروف التى نمر بها، ومع الحاجة الى موارد ضخمة لتوفير ما نحتاجه من مدارس ومعلمين، لكننا تعودنا على مواجهة التحديات والتغلب عليها.. المساهمات الأهلية مطلوبة لدعم عملية النهوض بالتعليم، لكن هذا لا يعنى أن يخضع التعليم الأساسى لمنطق الربح والخسارة، وإنما أن يساهم رجال الأعمال والقادرون فى إنشاء مؤسسات «أهلية» تنشىء المدارس وتُنفق عليها وفق خطة تضعها الدولة وتُشرف عليها، والكثيرون ـ حتى من المواطنين البسطاء ـ مستعدون لأن يساهموا فى دعم المؤسسات بقدر ما يستطيعون إذا وجدوا العائد الذى يرفع عنهم عبئاً ثقيلاً يتحملونه الآن تحت سطوة «البديل القبيح» الذى يبدأ بـ «السناتر» ولا ينتهى بالكتاب المدرسى الخارجى وثمنه الباهظ!!

المهم الآن.. أن كل أفكار الإصلاح مطروحة على الساحة، والطريق واضح: مجلس وطنى للتعليم يضع السياسات العامة ووسائل تنفيذها، ويترك للسلطة التنفيذية مسئولية تطبيق هذه السياسات مع مراعاة الظروف العامة، وإرادة حديدية لاستعادة دور المدرسة العامة، ونظام موحد للتعليم الأساسى، وإيمان من الجميع بأن التعليم قضية أمن قومى لابد أن نحسمها لصالح مستقبل الوطن.