علاء عبد الهادي يكتب: الثقافة على أجندة الحوار الوطني

علاء عبد الهادي
علاء عبد الهادي

أحترم وأقدس أن يكون هناك إطارلكل حوار، أياً كان هذا الحوار، وإلا تحول إلى مجرد مكلمة أو «طق حنك» لا طائل ولا رجاء منه، تعلمت هذا النهج من الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل،الذى كان يحرص على أن يحدد إطاراً لأى لقاء أو حوار يكون طرفاً فيه فقبل أن يبدأ لابد أن يعرف:مع من سيجلس والصفة وهل سوف يتحدث حديثا رسمياً، أم يتحدث مع من يجالسه كأصدقاء، أم بصفته الصحفية، أم ككاتب ومؤرخ وشاهد على كثير من الأحداث... إلخ ، فلكل حادث حديث، ولكل إطار من هذه الأُطر ما يناسبه من كلام.

أقول هذه المقدمة لكى أدخل منها الى الحوار الوطنى الذى يتابع كل مصرى ما سوف تسفر عنه جلساته.. ولكنى أريد أن أسير من البداية على خطى هيكل وأستن بسنته، وأعيد الأمورالى نصابها،وأساسها الأول لأن البدايات تقود الى النهايات، والأساس السليم يعنى بناءً يتحمل، ولا ينهار أو يتداعى مع أية هزة، هذا يقودنى الى أن أسأل نفسى وغيرى من المهتمين عن مفهوم الحوار، ومعناه !!

قد يتساءل سائل، وهل الأمريحتاج أن تسأل مثل هذا السؤال، الذى لو سألته ربما لطفل فى المرحلة الإبتدائية لأجابك وبسهولة !

ولكنى أقول:لا تتعجل.

الحِوارُ فى أبسط معانيه حديث يجْرى بين شخصَيْن أو أكثر والحوار فى اللغة: من حاور يحاور محاورة، وقد ورد فى تاج العروس أن الحوار يعنى تراجع الكلام، كما ورد فى لسان العرب لابن منظور تحت الجذر حور وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام والمحاورة: مراجعة المنطق ، والمُحاوَرةِ مصدر كالمَشُورَةِ من المشاورة، وبذلك فالحوار فى اللغة، هو الرجوع عن الشئ، والارتداد عنه، وحار عن الأمر وإليه رجع عنه، أو إليه.. أما الحوار فى الاصطلاح يعنى:(مراجعة الكلام، وتداوله، بين طرفين، لمعالجة قضية من قضايا الفكر، والعلم، والمعرفة.. بأسلوب متكافئ، يغلب عليه طابع الهدوء، والبعد عن الخصومة).

وللحوار، آداب اذا لم يحترمها الذين تراضوا أن يجلسوا مع بعضهم البعض كأطراف متحاورة، تحول الحوار الى مغالبة ومراء ومجادلة من الأطراف المشاركة أو ربما تحول الى حوار طرشان، كل طرف يعتقد أن صوته قد وصل وأنه قال كلمته، ولكن فى الحقيقة لاقيمة لكلامه لأن الآخرين لم يسمعوه ولم يعوا ما قال إما عن جهل وإما قصداً .

ولا حوار، من دون أن تكون كل الأطراف (المتحاورة) على علم بما سيتم حوله الحوار، وأن تكون كل المعلومات متاحة للجميع على قدم المساواة، ولأنه حوار فيجب قبل أن يجلس أى متحاورعلى مائدة الحوارأن يكون لديه الإستعداد بشجاعة للإعتراف بالخطأ حال تأكده من حقيقة لم تكن ظاهرة أمامه، والأهم أن يحترم كل طرف رأى ورؤية من ارتضى أن يجالسه على مائدة واحدة، ولا يسفه من رأيه أو يحتقره، ويعتقد أنه يحتكرالحقيقة وأن غيره مجرد جهلة، أو مغرر بهم، مثل هذه النظرة تهدم أى حوار من قبل أن يبدأ.

ما نراه يؤكد أن كل الضمانات وفرتها الدولة، من أجل الخروج بنتائج من هذا الحوار، وأكبر هذه الضمانات تكمن فى شخص الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى أخذ بزمام المبادرة، وأطلق بنفسه الدعوة إلى حوارِ وطنى يكون بمثابة أرضية صلبة وأساس قوى لاستكمال أركان الجمهورية الجديدة التى تتكامل ملامحها يوماً بعد يوم، ولم يكتف بذلك بل تعهد بأن يطبق ما ينتهى إليه المشاركون فى الحوارما دامت تصب فى الصالح العام وتراعى ضوابط ومحددات الأمن القومى المصرى، ولم تكن المشاركة فى الحوار حكراً على أحد،بل تمت توجيه الدعوة لكل أطياف المجتمع المصرى باستثناء من تلوثت آياديهم بالدم، أو من باعوا الوطن واختاروا أن يكونوا فى صف أعدائه، وسعوا الى هدم البيت بكل السبل .

ويجب على الحوار الوطنى أن يسعى الى تعزيز كل ما من شأنه بناء الإنسان المصرى مسلحاً بما يجعله فاعلا فى بناء الجمهورية الجديدة، التى يستظل بظلها كل مصرى، من دون أدنى تفرقة على أساس عرقى أو دينى أو فئوى، وفى الوقت ذاته ترسيخ هوية المواطن الثقافية والحضارية، حتى لا يكون فى مهب الريح يسهل اقتلاعه عبرهدمه من الداخل .

أعرف أن اهتمام المواطن ينصب بالدرجة الأولى على المحورين: السياسى والاقتصادى، بسبب ضغوط الأزمة الإقتصادية التى أمسكت بخناق العالم، وعانت منها دول عظمى ..المواطن معذور، فالتحديات ضاغطة على الجميع بلا استثناء، ولكن تبقى أهمية الحوار فى شقه الثقافى ضمن المحور الإجتماعى، لأنه يتعلق بالدرجة الأولى ببناء الإنسان الذى هو مبتغى كل حوار، وكل تطوير قام به الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ أن جاء الى سدة الحكم بأمر الشعب .. هذا المواطن إذا لم تقدم له الخدمة الثقافية التى تشكل عقله ووجدانه، وتغرس فيه قيم الحضارة والتحضر وقبول الآخر والمواطنة، فنحن نقدم هذا المواطن على طبق من ذهب للآخر لكى يشكل عقله ووجدانه حسب أجندته.

فى الجلسات التى انطلقت لابد من أن نتحاور ونتناقش ونسعى لرؤية وآليات من شأنها أن تعزز فى النشء قيم الولاء والإنتماء الى هذا الوطن،ولكى يعرفوا قولاً وفعلاً أن مصر بحق أم الدنيا، ويعرفون لماذا هى دولة عظمى بالمعايير الثقافية ولابد، وهو الأهم، أن يعرف هذا النشء كيف يبنى قواعد مجد اليوم والغد بمعايير زمانهم، لأن أجدادنا سادوا العالم، وتركوا حضارة شاهدة على عظمتهم لأنهم أدركوا السر الكامن فى كل متر مربع من أرض مصر.

ويجب أن يعرفوا أنه قد آن الأوان لأن نتحاور: أنا وأنتَ وأنتِ ونحن، حتى نخرج جميعا برؤية نعرف فيها مكامن عظمة مصر، ونحدد نقطة البداية والتى تليها، نسعى الى أن نعرف كلمة السر التى تخرج المارد المصرى العظيم من القمقم لكى يكون شريكا فى صنع حضارة اليوم.

مصر قولا وفعلا ليست صغيرة الشأن، وإن تعثر اقتصادها لأسباب خارجية، وإن كشرت الدنيا فى وجهها، واستعصت لقمة العيش السهلة على بعض أهلنا.

الرئيس دائما يقول ويردد أنه غير قلق على مصر وأن الله لن يخذل شعبها الصبور، ولكن بشرط بسيط، ولكنه صعب، وهو أن نبقى جميعا كتلة واحدة صلبة يصعب بل يستحيل على المتربصين التسلل من خلالها، ولكن هذا لا يعنى كما يعتقد البعض أن نكون مختلفين فى الرأى، أو فى تحديد الأولويات، فرأيى صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب، ما دامت الأرضية الوطنية تجمع المتحاورين، فمصر تتسع للجميع.

لا أعتقد أن مصير الحوار الوطنى كما أرى وألمس حتى الآن سيكون مثل مصير سابقيه من اللقاءات الموسعة التى تمت فى أنظمة وعقود سابقة، كانت تسعى الى المظهر دون الجوهر، البدايات والضمانات تؤكد ذلك،وما سمعناه فى الجلسة الإفتتاحية من بعض رموز العمل السياسى، وان اختلفنا مع بعض ما جاء به، يبشر ويدعو للأمل، ويؤكد صدق نية القائمين على الحوار الوطنى، وسعة صدر القيادة السياسية، فلا حكر على الرأى الآخر وإن اشتط، ولا منع لأحد ما دامت أجندته مصرية، ولا يتم تحريكه كعرائس «الماريونيت» من الخارج.

الرئيس عبد الفتاح السيسى قال فى كلمتة الإفتتاحية المسجلة أن «الحوار الوطنى يرسم ملامح الجمهورية الجديدة» و«أن الأحلام والآمال تفرض التوافق لا الاختلاف».

تعالوا نتحاور ونتناقش ونتوافق على مستقبل وطن يتسع للجميع.