لعنة «البريكست» ومسلسل أزمات رؤساء وزراء بريطانيا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

وصل ريشي سوناك الى منصب رئيس وزراء بريطانيا في الـ25 من أكتوبر الماضي بعد سلسلة من الأزمات ضربت المملكة المتحدة منذ تولي ديفيد كاميرون سدة الحكم في بريطانيا والخروج من الاتحاد الأوروبي " بريكست" ، لتبدأ سلسة من الأضطرابات كأنما كانت مغادرة المملكة التي لا تغيب عن أرضها الشمس للتكتل الأوربي لعنة واصابتها وتتوالى على كل من يتولى منصب الرجل الأول فيها بعد التاج الملكي، الكوارث والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

كاميرون.. مهندس البريكست

كانت البداية مع انتخاب ديفيد كاميرون كزعيم لحزب المحافظين في عام 2005 ، كانت مهاراته في الخطابة مثل توني بلير، أحد مؤهلاته لتولي المنصب الرفيع، تمامًا كما تم اختيار إدوارد هيث في عام 1965 كمكافئ يمين الوسط لرئيس الوزراء آنذاك هارولد ويلسون.

بعد ظهور نتائج الانتخابات البريطانية لعام 2010 والتي أظهرت تقدم حزب المحافظين على حزب العمال الحاكم لكن مع عدم حصوله على الغالبية المطلقة التي تؤهله لتشكيل حكومة بشكل تلقائي أعلن كاميرون رغبته في التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع حزب الديمقراطيين الليبراليين الذي جاء في المرتبة الثالثة في الانتخابات.

وبعد استقالة رئيس الوزراء جوردون براون من منصبه في 11 مايو 2010 والاتفاق بين حزبي المحافظين والديمقراطيين الليبراليين على تشكيل ائتلاف حاكم يتمتع بأغلبية برلمانية عينت الملكة إليزابيث الثانية كاميرون رئيسًا للوزراء، وبتوليه رئاسة الوزراء في سن الثالثة والأربعين صار أصغر من تولى منصب رئيس الوزراء منذ عهد روبرت جنكنسون الذي تولى الحكم عام 1812.

ديفيد كاميرون

مع الضرر الدائم الذي لحق بالمجال العام، سمح أسلوب كاميرون المتهور في الحكم أيضًا لوزيرة الداخلية، تيريزا ماي، بإدخال نظام مهاجر معاد، وإن كان مع القليل لإظهاره عن طريق الاتجاهات الإحصائية.

أعلن كاميرون في يوم 24 يونيو 2016 أنه سيقدم إستقالته من منصبه بعد 3 أشهر بعد صدور نتيجة استفتاء بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي "البريكست" والتي أظهرت موافقة 51.9% لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي وقال بأنه لن يشرف على عملية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وسيتركها لغيره.

وهكذا، تم إعداد المشهد لاستقالته المخزية في عام 2016 بعد فوز غير متوقع في الانتخابات في العام السابق.

تريزا ماي 

حصلت تيريزا ماي، خليفة كاميرون، على قيادة حزب المحافظين حرفيًا باعتبارها المرشح الأخير، بسبب العداء بعد الاستفتاء بين كبار نشطاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مايكل جوف وبوريس جونسون.

كان من المقرر أن تتنافس ماي ضد وزيرة الدولة لشؤون الطاقة ليدسوم في تصويت لنحو 150 ألفًا من أعضاء حزب المحافظين، على أن تعلن النتيجة في 9 سبتمبر 2016 وذلك خلفا لديفيد كاميرون الذي التزم بتقديم استقالته يوم 13 من الشهر نفسه، إثر استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. بدأت الانتخابات الداخلية بالفعل، وفازت ماي بأول اقتراع للحزب في 5 يوليو 2016، وبعد يومين فقط استطاعت الحصول على أصوات 199 نائب بمجلس العموم. لكن ليدسوم انسحبت فجأة بعد حملة انتقادات حادة وجهت لها إثر تلميحها بأحد خطاباتها لعدم وجود أطفال لمنافستها، وذلك إلى جانب طرح تساؤلات بشأن ما إذا كانت قد بالغت في سيرتها الذاتية. لتصبح ماي المرشحة الوحيدة لهذا المنصب، ويتم اختيارها آليا من قبل اللجنة الداخلية، وبالتالي تولت رئاسة الوزراء يوم الاثنين 11 يوليو 2016.

تريزا ماي

ورغم أنها كانت من الداعين للبقاء بالحضن الأوروبي،وعدم المباشرة في خطة بريكست وخاضت حملة للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي، فإن ماي تعهدت بتفعيل الخروج من الاتحاد واستبعدت تنظيم استفتاء ثاني حول الموضوع ورفضت أي محاولة للانضمام مرة أخرى. واستحدثت حقيبة في التشكيلة الوزارية مهمتها الإشراف على مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأسندتها إلى دايفيد دايفيس. ومع هذا، إلا أنّها لم تتسرع في الاستجابة للضغوط الدافعة نحو بدء المفاوضات سريعًا على شروط انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ قالت إنها لن تسمح باستعجالها لتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة؛ للبدء في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي قبل نهاية 2016.

وأكدت أنها ستعمل على وضع خطة للانسحاب من الاتحاد، وإقامة علاقات تجارية جديدة مع أوروبا، وبقية العالم.

تمسكت هي ومستشاروها بالإمكانيات الانتخابية لبرنامج تدخلي اقتصادي محافظ اجتماعيًا. لكن بدلاً من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «الناعم»، الذي حظي بفرصة إعادة توحيد البلاد بعد مرارة نتيجة الاستفتاء، بدأت على الفور في رسم خطوط حمراء للتفاوض، مما أثار استياء عدد من زملائها في مجلس الوزراء، حيث كانت حرية الحركة تمثل لها هدفًا رئيسيًا.

إلا انا عدة عومل نتجت عنها استقالتها من رئاسة حكومة المملكة المتحدة كان أولها انتخابات فاشلة في عام 2017، عندما حرمت حزبها من الأغلبية البرلمانية، ثانيًا، مع فجر أهمية الحفاظ على التجارة الخالية من الاحتكاك مع الاتحاد الأوروبي، جنبًا إلى جنب مع معضلة تجنب الحدود الصعبة في جزيرة أيرلندا، نشأ انقسام في حزبها حول ما يشكل «خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي» .

وأعلنت ماي، تخليها عن زعامة حزب المحافظين يوم 7 يونيو 2019ن بعد أن تعرضت لضغوط كبيرة دفعتها إلى الاستقالة بعد فشلها في إقناع نواب حزبها بخطة الخروج من الاتحاد الأوروبي التي عرضتها على مجلس العموم.

بوريس جونسون 

استولى بوريس جونسون على القيادة في يوليو 2019، خلقا لتريزا ماي وقد احتل تدخله الاقتصادي ، في شكل "التسوية" ، مركز الصدارة في الانتخابات العامة في ديسمبر 2019 والتي، جنبًا إلى جنب مع الوعد بـ "إنهاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" أخيرًا بعد الشلل السياسي الطويل، حيث أثبت أنها صيغة رابحة.

ترك خروج جونسون الذي لا هوادة فيه من الاتحاد الأوروبي العديد من القضايا العالقة، وبعيدًا عن الارتقاء إلى المستوى ، مع استخدام معايير غريبة لتوزيع الأموال المحددة على هذا النحو ، إذا أصبح أي شيء من عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية والإقليمية أكثر رسوخًا.

بوريس جونسون

زادتا الأمور تعقيدا  بسبب سوء إدارة جونوسن لأزمة جائحة كورنا، مع كشف Partygate أن رئيس الوزراء قد انتهك التوجيهات والقواعد الوبائية داونينج ستريت.

لقد برز جونسون كمؤيد قوي وقيم لأوكرانيا بقيادة زيلينسكي بعد الحرب الروسية  في فبراير 2022، ولكن بالنظر إلى مشاكل جونسون المحلية، كانت دوافعه حتى هناك مشتبه بها.

علاوة على ذلك، عندما تحولت الأحداث مرة أخرى نحو الأمن الأوروبي، ألقت حكومته شعارات بلاغية فارغة حول «بريطانيا العالمية».

وكل هذه أدى الى اعلان بورين جونسون الخميس 7 من يوليو 2022، استقالته من رئاسة حزب المحافظين الحاكم، بعد إعلان نحو 60 من أعضاء الحكومة عدم رغبتهم في العمل معه، منهم خمسة وزراء، في حركة جماعية غير مسبوقة في التاريخ السياسي البريطاني.

وكانت استقالة الوزيرين البارزين، وزير الخزانة، ريشي سوناك، ووزير الصحة، ساجد جاويد، الثلاثاء 5 من يوليومؤشرا واضحا على قرب سقوط قيادة جونسون.

وتحدث وزير الخزانة، ريشي سوناك، في خطاب استقالته عن اختلاف كبير في وجهات النظر بينه وبين جونسون إزاء إدارة الملف الاقتصادي، داعيا إلى مصارحة الشعب البريطاني بحقيقة الوضع الاقتصادي في البلاد.

كذلك أشار وزير الصحة، ساجد جاويد، في بيان استقالته، إلى فقدانه الثقة في قدرة جونسون على قيادة الحزب. وأضاف جاويد أن "محاولة الموازنة بين الولاء والنزاهة" أصبحت أمرا "مستحيلا في الأشهر الأخيرة".

تراس.. أقصر مدة تولي منصب رئيس الوزراء 

في 5 سبتمبر 2022 انتخب حزب المحافظين ليز تراس لزعامة الحزب ولرئاسة الوزراء خلفا لبوريس جونسون لتصبح ثالث امرأة تتولى هذا المنصب، وأقصر رئيسة وزراء تتولي المنصب في تاريخ المملكة المتحدة.

وأعلنت تراس أن الحكومة ستضع حدًا لفواتير الطاقة الاستهلاكية المرتفعة لمدة عامين لتخفيف الصدمة الاقتصادية للحرب في أوكرانيا، وهي خطة من المتوقع أن تكلف البلاد عشرات المليارات من الجنيهات الاسترلينية.

ليز تراس

وفي 23 سبتمبر 2022 وضع وزير المالية البريطاني تروس كواسي كوارتنج "ميزانية مصغرة" تشمل 45 مليار جنيه استرليني (50 مليار دولار) من التخفيضات الضريبية غير الممولة والزيادات الضخمة في الاقتراض الحكومي، ما أدى إلى تراجع سندات الحكومة البريطانية، ويهبط الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى له أمام الدولار، في تفاعل أسواق العملات مع الإعلان عن أضخم تخفيضات ضريبية تقدم عليها بريطانيا منذ 50 عاماً، لتسقط الحكومة البريطانية في 3 أكتوبر خططها لخفض ضريبة الدخل المرتفع، كجزء من حزمة من التخفيضات غير الممولة التي أثارت اضطرابات في الأسواق المالية، ودفعت الجنيه إلى مستويات منخفضة قياسية.

وقدمت تراس في 20 أكتوبر استقالتها تحت ضغط برنامجها الاقتصادي الذي أثار صدمة في الأسواق، وقسم حزب المحافظين بعد 6 أسابيع فقط من تعيينها.

أول وزير من أصول آسيوية 

عُيِّنَ سوناك رئيسًا لوزراء المملكة المتحدة من قبل الملك تشارلز الثالث في 25 أكتوبر 2022، خلفا ليز تراس التي جلست في المنصب 40 يوم فقط، مما جعله أول رئيس وزراء بريطاني آسيوي يتولى هذا المنصب.

بدأ سوناك في تشكيل حكومته وعين دومينيك راب نائبًا لرئيس الوزراء  ووزيراً للعدل واللورد المستشار، أعاد سوناك تعيين جيريمي هانت مستشاراً للخزانة، وجيمس كليفرلي وزيراً للخارجية، وعين سوناك بشكل مثير للجدل سويلا برافرمان وزيرة للداخلية وناظم الزهاوي أميناً عاماً لحزب المحافظين  ‏.

وعند وصوله إلى "داونينج ستريت"، تعهّد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بإظهار "نزاهة ومهنية ومسؤولية" إثر سلسلة فضائح طالت رئيس الحكومة الأسبق بوريس جونسون.

ريشي سوناك

في 9 نوفمبر الماضي، تقدم وزير الدولة السير غافين وليامسون باستقالته، ليصبح أول عضو في الحكومة البريطانية يتخلى عن منصبه، بعد نحو أسبوعين من تشكيلها.

وجاءت استقالة وليامسون بعد وقت قصير من تقديم موظف حكومي سابق شكوى رسمية ضد الوزير، يتهمه فيها بـ"التنمر".

وفي يناير الماضي، أقال سوناك الوزير بلا حقيبة ناظم الزهاوي، رئيس حزب المحافظين الحاكم بعد تحقيق أجرى في ملفه الضريبي.

وقال سوناك، في خطاب الإقالة، إن التحقيق أثبت ارتكاب الزهاوي "خرقا خطيرا" لمدونة السلوك الوزاري.

نكسة جديدة لرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، أعلن نائبه دومينيك راب استقالته الجمعة بعد أن خلص تقرير مستقل إلى أنه تنمر على موظفين حكوميين.

وكتب راب الذي يشغل منصب وزير العدل وكان حليفًا قويا لسوناك في هذه الرسالة الموجهة إلى رئيس الوزراء: "أكتب إليكم للاستقالة من حكومتكم".

وأضاف: "طلبت هذا التحقيق وتعهدت بالاستقالة إذا ثبتت وقائع التنمر أيا تكن"، مؤكدا "أعتقد أنه من المهم احترام كلمتي".

بدأ هذا التحقيق في أعقاب ثماني شكاوى تتعلق بسلوكه عندما كان وزيرا للخارجية أو وزيرا لبريكست أو خلال توليه لفترة قصيرة وزارة العدل.

ونفى دومينيك راب باستمرار هذه الاتهامات التي سممت الحكومة لأشهر وأثارت انتقادات عديدة من المعارضة.