منى عبد الكريم تكتب: جولة في حدائق نازلي مدكور الفنية

نازلى مدكور
نازلى مدكور

«منذ بداية مشوارها، تمتلك الفنانة نازلي مدكور ملامح مشروع فنى لا تحيد عنه، يتمثل في بحثها عن جمالية خاصة تنبع من رحم الطبيعة في البيئات الخضراء أو الريفية أو الصحراوية في مصر بمضمونها التاريخي والإنساني والمجتمعي، وتستنير في بحثها ذلك بمخزون الثقافة المصرية والعربية وقيم البناء الفني والذائقة الجمالية الشرقية عبر تجلياتها في الموروث الحضاري، المختلف عن نظيره في الموروث الثقافي الغربي ، حريصة - في الوقت ذاته - على الاستقلال عن هذه الروافد بالابتعاد عن محاكاتها أو إعادة إنتاجها ومحتمية بالإطلال داخل ذاتها مرتين، مقابل كل مرة تطل فيها على الطبيعة الخارجية، ما دعاها لأن تطلق على معارضها أسماء، «مناظر طبيعية وحدائق داخلية .. إلخ».

بيد أن بحثها لا يمثل - ولا يسعى إلى- قطيعة فكرية أو جمالية مع الآخر «الغرب»، بكل مسيرته وتوجهاته الفنية حتى اليوم، بل هو يدخل فى علاقة جدلية مستمرة معه، وكذلك مع الطبيعة والواقع الاجتماعي بخلفيته السياسية والجمالية».

وبهذه الكلمات يصف الفنان الناقد عز الدين نجيب رحلة الفنانة نازلي مدكور ضمن دراسة نقدية عن أعمالها وملامح مشوارها الفني، متتبعا خلالها مسيرتها الفنية منذ بدايتها في الثمانينات، والتي نشرت تحت عنوان «نازلي مدكور.. عين داخلية للطبيعة والحداثة» بكتاب «نازلي مدكور» الصادر مؤخرا عن دار الكرمة للنشر، حيث ضم الكتاب كذلك دراسة نقدية تحت عنوان «لا يزال الرسم ممكنا» للناقد العراقي فاروق يوسف، وكذلك حوارا مع الفنانة نازلي مدكور أجرته الفنانة وقيمة المعارض مى يانى.

ويقدم الكتاب رحلة بصرية وفكرية ممتعة لمحبي الفن وكذلك للباحثين والنقاد للتعرف عن قرب على تجربة مدكور الفنية التي امتدت لقرابة أربعة عقود، ومراحل تطورها والتي انتقلت فيها من التشخيص للتجريد ، وكانت المرأة والطبيعة هما موضوعاتها الأثيرة.

وذلك من خلال مشاهدة عدد كبير من لوحاتها منذ الثمانينيات وحتى اليوم بطباعة لونية فاخرة مصحوبة بمعلومات توصيفيه دقيقة تتضمن حجم العمل والخامة وكذلك اسم مقتنى العمل حاليا - حال وجوده ضمن مجموعة المقتنيات.

 

والحقيقة أن هذا الكتاب يأتي في توقيت أصبح فيه توثيق الأعمال الفنية ورحلة الفنانين المصريين التشكيليين ضرورة ملحة فى ظل ما عانته المكتبة العربية لفترة طويلة من قلة الكتب المتخصصة في الفن التشكيلى وكذلك قلة المراجع المتاحة عن تجارب الفنانين التشكيليين المصريين، الأمر الذى بدأ عدد من الفنانين الانتباه إليه مؤخرا ومحاولة تغييره بتقديم كتب توثيقية لمسيرتهم التشكيلية.

والمختلف فى هذا الكتاب هو تنوع الطرح، إذ يختلف المحتوى العربي عن الإنجليزي، بل إن كل منهما يقدم صوتا مختلفا للتعرف على تجربة الفنانة، إذ تتيح الدراسات الصادرة باللغة العربية التعرف على تجربتها الفنية بعيون النقاد.

وبينما نستمع فى حوارها مع الناقدة الفنية والفنانة مى يانى المنشور بالإنجليزية  إلى رؤيتها للفن من خلال حوار متعمق، يأتي - كما جاء في مقدمة الحوار - كثمرة لصداقة عميقة وحوارات يومية ونقاشات بين مدكور ويانى ورؤيتهما للفن. 

وتعتبر نازلى مدكور الفن وسيلتها للتواصل مع العالم، لغتها التى اختارتها للتعبير عن ذاتها لاسيما أنها اختارت الفن بعد دراستها مغايرة إذ درست الاقتصاد وحصلت على ماجستير في الاقتصاد السياسي من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بل وعملت في تخصصها بضع سنوات قبل أن تتفرغ للفن إذ تقول: «من خلال الفن أقوم بالتواصل والتفاعل مع العالم الخارجي، وترجمة ما يعتمل فى داخلى إلى صورة بصرية أعبر بها عن خصوصية إدراكي للعالم من حولي».

وتعتبر كل لوحة مغامرة تخوضها الفنانة دون نتائج محددة مسبقا، إذ نراها تقول  «نظرا لأننى أقدم على اللوحة بدون أى تجهيز أو تخطيطات مسبقة وحيث إننى أسعى إلى أن تنبع اللوحة بشكل يكاد يكون عضوى من سطح القماش وأن يكون لها كيانها المستقل فإننى أسعد أثناء عملي بعنصري المفاجأة والاكتشاف وبالإثارة الناتجة عن غير المعلوم وعن عدم معرفة نهاية الطريق.» .

مضيفة فى موضع آخر «من خلال أعمالي، أصبو إلى تحقيق توازن بين النظام والفوضي، وبين العقل والإدراك، وبين الحقيقة والخيال، وهذه اللوحات نصوص محملة بالإحالات قابلة لقراءات متعددة، وقد تكون هذه القراءات غامضة أحيانا أو متناقضة، ما دام العمل يحيا فى لانهائية تفسيراته».

وبخلاف سيرتها الذاتية، يتضمن الكتاب قسما خاصا عن رحلة الفنانة بالتواريخ بداية من عام 1981 حيث شاركت فى أول معرض جماعى فى جماعة «أرت جلد» فى مايو بالكلية الأمريكية بالقاهرة ، مرورا بمعرضها الفردي الأول في 1982 وغيرها من المعارض.

وإضافة إلى مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي جمعتها بعدد من  الشخصيات الفنية المرموقة ومن بينها صورة جمعتها بالفنانة إنجى أفلاطون والفنان جورج بهجورى عام 1986، وصورة جمعتها بحسين بيكار عام 1990، وصورة مع الفنان حامد ندا وزوجها الكاتب الكبير محمد سلماوى عام 1990، وغيرها ، بخلاف مجموعة من صور لدعوات معارضها وللكتالوجات الفنية.

وقد ولدت مدكور فى القاهرة بمصر عام 1949 حيث تعيش وتعمل، وقد أقامت منذ عام 1982 أكثر من 40 عرضًا فرديًا وشاركت فى العديد من المعارض الجماعية فى مصر والخارج ، وعرضت لوحاتها فى العديد من البلاد ومن بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا واليونان ولبنان والشارقة والبحرين والكويت والإكوادوروأمريكا وكندا وغيرها.

وتم اقتناء أعمالها من قبل العديد من المجموعات الخاصة والعامة في مصر والخارج. وهى مؤلفة كتاب « المرأة المصرية والإبداع الفني» الصادر باللغة العربية وباللغة الإنجليزية،  وقامت برسم نسخة فاخرة من كتاب نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل «ليالي ألف ليلة”».

وقد عُرض الكتاب والنسخ الأصلية لأول مرة في معرض كوركوران بواشنطن العاصمة في يونيو 2005. ثم عُرضت في مصر وهولندا واليابان وإيطاليا وسويسرا والسويد والمملكة المتحدة وكندا.

اقرأ ايضاً | شهر المرأة | أصل الحكاية .. "ماري كوري" أول امرأة تفوز بجائزة نوبل

نقلا عن مجلة الادب :  2023-3-11