الخطاب الديني.. استعينوا بأهل العلم

خاطر عبادة
خاطر عبادة

هناك فرق بين أن يستمع الناس لخطبة رجل دين فقيه ودارس لعلوم الدين فيقول الناس: هذا عالم .. وبين الاستماع لشخص هاوى يحب الإمامة بغير علم والمكانة أو حصل على ترخيص خطابة عن طريق المحسوبية أو وساطة.. أو شخص مسيس ومتحزب لجهة سياسية تسعى لتحقيق نفوذ وتأثير عن طريق المساجد..فيقول الناس هذا رجل فتنة.

الهدف الأساسى لتجديد الخطاب الديني المستنير هو إعمال العقل والتفكر تجاه مستجدات وظروف الحياة وفق صحيح الدين وثوابت الشرع.. أن نستخدم عقولنا للتمييز بين كل ما يقال لا أن نتخلى عن ثوابتنا وجذورنا.. حسن التأمل والتدبر والفهم للوصول إلى الحكمة؛ لا أن نكون إمعة وننساق وراء أى تيار.. أن يكون للمسلم توجه ورؤية ونظرة شخصية مستقلة فى الحياة تمكنه من أن يستفتى قلبه أولا.. والأصل فى الدين هو الوسط والتيسير.. والدين واسع ويسير ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه.. وهذا لا يعنى التفريط.

 لكن التحدى الكبير لتطوير الخطاب بالمساجد هو عقلية الموظفين والتوجهات السياسية لبعض المتعاطفين مع جماعة الإخوان والمتسلفين ثم الوساطة.. فهذه المسؤولية الكبيرة لا تحتاج الآن لموظفين بل أشخاص واعين وعلى قدر كبير من الأمانة والمسؤولية والنزاهة.

إدراج جميع المساجد تحت سيطرة وزارة الأوقاف لا تكفى إذا كنا سنسير بعقلية الموظف الروتينى والمحسوبية؛ فهناك الكثير من المساجد الصغيرة فى المدن الصغيرة أو القرى البعيدة ما زالت خارج سيطرة الأوقاف أو تفتقر لخطباء واعين على قدر من العلم أو تخلو حتى من الخريجين الدارسين بمعاهد الأزهر و بعضهم غير مؤهلين بشهادات جامعية أو حتى ثانوية.. فكيف نتحدث إذن عن تجديد الخطاب الدينى الواعى والمسؤول بدون إصلاح جذرى وتأسيس من جديد؟!.

العلم هو قرين السلام والمحبة والتسامح ويورث النور والرحمة والسماحة وحب الناس وأكثر الناس علما تجده سهلا حليما، أما الدين بلا علم يؤدى للتعصب والتشدد والحكم على أمور الناس بظن وغير علم.. ولم ينشأ التعصب إلا عن جهل وقد يميل البعض إلى المغالاة ليخفى سواد فى قلبه ويظنه الناس صالحا أو إما أن يكون عن نفاق ورياء فى قلبه أو خلل فى فكره.. ونهج العلم هو الوسطية والسماحة ولا يستدعى أبدا أن يكون صاحبه فظا غليظا أو الإساءة والتقليل من غيره.. ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك.

توقير الدين والمساجد

والصلاة فى المساجد راحة نفسية وواحة أمن واطمئنان.. فلا يجعلها أحد ساحة لتصفية حسابات ومواقف ويخون الأمانة؛ لذا يتوجب ضرورة ارتقاء المنابر عن أهواء البشر وتوقير المساجد

كانت أول خطايا حكم جماعة الإخوان المسلمين التى تسببت فى نفور الناس منهم وكراهيتهم الشديدة لهم.. هى اختطاف المنابر واستغلالها وتوجيهها لمصالحهم السياسية الدنيوية والهجوم على من يخالفهم، فكانت النتيجة تشويه صورة الدين الحنيف ثم نبذ الناس تلك الجماعة المتعصبة التى استغلت جهل وانتهازية بعض المسؤولين عن المساجد.

إن الدين هو العلم والمعاملة والأخلاق السامية فلا ينبغى أن بجسدها شخص ذو مقصد وغرض دنيوى.. رجل الدين الذى يتخذ من السياسة وظيفة ويناور ويكذب فى سبيل ذلك أو يوظف الدين و يفصله على مقاس جماعة سياسية ووفق هواه، فإنه يتلوث وسيفقد احترام الناس..

كلما ارتقت المنابر عن الأهواء الشخصية والسياسية والجدال.. وتنزه الدين عن استغلال البشر وحسنت النوايا والمقصد تسود الراحة النفسية والاطمئنان ويتحقق النفع ويصل مفهوم الدين بصورته الصحيحة الحنيفة للناس، وإذا لم تكن النصيحة خالصة لوجه الله فقدت معناها 

كلما زاد إخلاص المرء زاد خشوعه و انتفع الناس من علمه.. كما أن دور الخطابة لا يسند لكل من يهوى الإمامة والمكانة بين الناس فيجب أن يجتاز دورات فى الخطابة حتى يقف بين الناس داعيا وواعظا.. يجب أن يسند الأمر لأهله.

ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن .. الدعوة أو النصيحة تكون خالصة لوجه الله.. بالترغيب واللين والنصح.. أما الزجر أو التوبيخ أو الترهيب أو السخرية فهذه تدخل فى نطاق مسميات أخرى غير الدين .. لا متاجرة ولا تحزب أو تسييس لا إفراط ولا تفريط.. حزم بدون شخط أو تنفير ولا ميوعة أو تفريط.. تسهيل وتيسير لا تساهل أو تشديد.

تقديم معانى الدين فى ثوبها المتجدد الحنيف السمح والمتماشى مع كل العصور ولا يتوقف مداها عند زمان .. لا التضييق ولا التبديد.. ولكن تصحيح مفاهيم مجهولة أو غير صحيحة ارتبطت بالعادات والتقاليد 

{..ألا بذكر الله تطمئن القلوب ..} و تهدأ النفوس وتسكن وترتاح القلوب وتطمئن الحياة.. ذكر الله والمساجد هى الملاذ الآمن لكل قلب حائر والركن الذى يستند إليه كل من أجهدته المصائب.. فيجب توقيرها وتعظيمها وخفض الصوت والبعد عن الجدال الدنيوى.. لا تشوش على الساجد أخفض صوتك فى المسجد حتى لو كنت تقرأ القرآن وحدك، والحد من النقاشات الجانبية بصوت عالى حتى تسود الراحة النفسية والاطمئنان فى المساجد وتزول الكراهية.