يناير.. إشراق الجمال الهاديء

خاطر عبادة
خاطر عبادة

صباح جديد من يناير وشروق خافت.. بزوغ فكرة وأمل وبداية جديدة وخصوصية جميلة؛ ورقة جديدة من أوراق الشتاء الساحرة، طلة جديدة لوجه يناير الهاديء؛ آمال تختبيء خلف سحب بيضاء عسى أن تكون محملة بالفرج والمفاجأت، ومناخ من الرجاء فى موسم الأمطار.. فمن رحم الشتاء يولد ربيع نابض بالحياة، وشمس باسمة وغد مشرق يلوح خلف الغمام. 

فى يناير يولد الجمال والحب، وله جانب شاعرى يرتسم على كل مظاهر الحياة ويميزه عن باقى الفصول.. حين تكتسى الحياة باللون الأبيض لون الفطرة والمحبة والسلام والسحاب المتراكم يغلف وجه الحياة ويرسم لوحة بديعة فى الأفق، ويغسل وجوهنا الهواء الساقع.

فى شتاء يناير قد تطول إشراقة وطلة الصباح وتمتد حتى آخر النهار؛ أو يمر كيوم هاديء تحت مظلة الغيم الكثيف، ويجعلنا نقدّر قيمة الهدوء والصمت.. ونفرح بابتسامة شمسها الدافيء؛ نبحث عن الدفء فى المنزل كملاذ آمن فى الليل "وليسعك بيتك".

 الشتاء هو الهدوء والسلام والوقار، يبعث فى النفس راحة وحالة من الرضا وسلام داخلى؛ نبحث عن الدفء بداخلنا ومع كل ما حولنا ويشبهنا.. الشتاء نراه بقلوبنا أولًا ونلمسه بمشاعرنا ويداعب هواه الروح قبل النظر إلى الطبيعة والعمر والذكريات من نافذة الحنين..

الشتاء جميل لمن يقدّر معناه ويعرف كيف يستمتع به ويعيش فى سلام مع الله، وهذا سر طمأنينة الروح وسكونها، مما ينعكس على حالة السلام مع النفس والناس.. فما أجمل أن  يشعر بنا السحاب فى نقائه وعلياه، وتلامس أرواحنا عنان السماء وقطرات الغيث والأمطار  لتذكرنا بقدرة الخالق الحنان المنان الذى أوجد الحياة وخلق الإنسان من ماء..

حسناء الشتاء كامرأة ناصعة البياض كالثلج، وفى جمالها تغنى الشعراء واستلهموا أجمل الموسيقى والألحان.. الوقت الذى يحتفل فيه الجميع بالحياة وموسم التغيير وتميل فيه النفس للجلوس والتأمل وتمارس عبادة التفكّر، ونستمتع بقضاء وقت فى المنزل واحتساء فنجان من القهوة والشاى.

يمرّ علينا الشتاء سريعا بردا سلاما وجميلا فى آن واحد ما يدعونا للتفكّر بنعمة الله على بلادنا التى تتمتع بأجمل أجواء وسطية فى الشتاء حيث تكسوه بلاد الشرق بالاعتدال.. ويشبه نضرة الربيع فى بعض الأوقات.. بينما قد يأتى قاسيا على بلدان أخرى مصحوبا بعواصف تكدر من صفوها وأزمات حتى يحين الربيع الناضر؛ هكذا تكون دورة الحياة؛ بعد الشدة يأتى الرخاء وبعد الليل يطلع فجر باسم..

سحر الشتاء يتزامن مع سحر البدايات، ليكون ذلك توقيتًا مثاليًا لبدء صفحة جديدة مع الحياة والتقرب إلى الله كأفضل بداية للعام؛ فرصة جديدة للعودة؛ نغلق صفحات وتجارب الماضى التى كانت بمثابة معرفة أو درس وخبرات جديدة بعد أن فهمنا مغزى رسائل القدر فى عام مضى ونستبشر الفرج من عند الله أن يمن علينا بمنح وهدايا وفرصة جديدة 

البدايات تخبرنا أنه يمكننا دائما البدء من جديد وتجدد الأمل فى النفوس وتخلق فكرة جديدة وفرص تغير من واقع الإنسان ودافعا للتغيير، كما تذكره بنعمة الحياة فكل يوم جديد يستحق شكر لله تعالى على أن منحه يوما آخر وعاما جديدا.. ولنتذكر أنّ التغيير يبدأ من الداخل وهو ليس مرتبطا بتاريخ وأرقام وإنما بتبلور فكرة جديدة فى عقلك وشكّلت بداخلك إنسان جديد.. هيء البال لاستقبال فكرة جديدة، فقد يستقبل العقل عشرات الخواطر، لكن لا تتبلور حول مشروع أو فكرة للتغيير.. إما أنّ يكون العقل مزدحما أو مشغولا بأمور أخرى أو تفاصيل غير ضرورية أو هناك تحديات خارجية، لكن لابد أولًا من إزاحة العوائق الداخلية، أن ينظّف الإنسان عقله باستمرار من كل شيء تافه ويفسح المجال ويفتح الأفاق والبال أمام ميلاد فكرة جديدة.

"وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو".. ومنها مفاتح الفرج والرزق، وأسباب وأنواع الرزق متعددة وكثيرة؛ نستفتح أبواب الرزق ونطلب الخير فقط من الله، فمن بيده مفاتح الغيب ومقاليد السموات والأرض إلا الله.. وهو وحده الذى يجب أن تتعلق به قلوب العباد فهو مسبب الأسباب، ولا أحد يعلم الغيب إلا الله، فسبحانه سمى نفسه بعالم الغيب، ولا يجوز أن يستعين أحد بدجال أو جن أو  الاستماع لأية خزعبلات حتى من قبيل التسلية أو اليأس.. أمّا التزام الدعاء والصلاة فهم أسهل طريق لتحقيق الأحلام ورفع المعاناة، وما نزل البلاء أو عمّ إلا لذنب أو تفشى فساد الأخلاق.. وقد لا نعلم بالتحديد من أي باب تنحل العقدة؛ لكن لعل ارتفاع صوتنا بالدعاء وحده كفيل بحدوث الفرج؛ فقد تكثر فينا أصوات اللهو وتتكاثر الذنوب؛ لكن لو يعلو صوت الدعاء؛ لو كان صوت الدعاء أعلى..

كن جميلا ترى الوجود جميلا.. فبدون حب سنفتقد الإحساس بالحياة والجمال والسلام.. الحب هو الذى يجعلنا نرى شروق الشمس وطلة الصباح بلون مختلف كيوم عيد جديد؛ وزينة النجوم فى السماء كمصدر للإلهام والجمال.. نتأمل السماء الواسعة ونلمس الجمال فى كل شيء؛ كل شيء نراه بطعم مختلف وعلى سجيته وفطرته الأولى التى خلقه الله عليها.