بقلم ريهام المغربي: «أنا مصري وكفي».. أزمة الهوية المصرية

ريهام المغربي
ريهام المغربي

اذا أردنا الحديث عن الهوية المصرية لابد أن  نتعرف في البداية على معنى كلمة ' هوية' . فهي  مشتقة لغويا من كلمة 'هو' ، ولكنها من منظور علم النفس تعني الفردانية أو تقدير الذات وبشكل عام هي إحساس الفرد بإنتمائه وإندماجه داخل جماعة ما ثقافيا واجتماعيا وعرقيا ودينيا ومهنيا وحتى ارتباطا باللغة. هي -في جزء منها- تقدير المرء لذاته سواء كفرد أو في علاقته بالأخرين، وتزداد معرفة الشخص بهويته عن طريق فهمه لذاته التي هي مزيج من الإنتماءات التي يميل إليها وأغلبها عادةً لا يختارها الفرد بنفسه كطبقته الإجتماعية والإقتصادية وكذلك العرق والدين. لذا قد يكون للانسان أكثر من هوية لا تتعارض مع بعضها البعض كأن تكون مصريا ( بلدا) ، مسيحيا (ديانة) امرأة (نوعا) كفيفا (إعاقة) وهكذا دون ثمة تعارض ، ولأن الأولويات هي ما يتحدد عليها السلوك البشري في أوقات عديدة فبناء علي ترتيبك لتلك الأوليات وجدانيا وعقديا  تتحدد  اجابتك عن كونك مصريا أو عربيا أو مسلما ؟ . ومن المعلوم أن هوية الشخص تتشكل عبر الوقت في سياق المجتمع الذي ينشأ فيه وتتأثر بعاملي الزمان والمكان وترتبط ارتباطا وثيقا بثقافة هذا المجتمع ومعتقداته 
ومن المعلوم من التاريخ بالضرورة أن الحضارة المصرية هي الأعمق والأرسخ والأقدم فمصر القديمة كانت فجر الضمير وواحدة التاريخ
ولذلك تعددت روافد الهوية المصرية بثقافاتها العتيدة وتاريخها التليد وتنوعها المتفرد، بدايةً من أجدادنا من قدماء المصريين في الدولة الفرعونية بعصورها المختلفة مرورا بالعصر اليوناني والروماني ثم الحقبة القبطية ومن بعدها الفتح الإسلامي بعصوره المختلفة من الأخشيديين والفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم الغزو العثماني الدموي مرورا بالخديوية والملكية المصرية وصولا للجمهورية الاولى وانتهاءً بالجمهورية الجديدة. 

مما سبق يتضخ علي وجه اليقين أن  المصريين يمتلكون هوية متفردة ذات أبعاد متعددة ومتفردة . يأتي البعد المجتمعي في مرتبة متقدمة ضمن تلك الأبعاد حيث مر المصريون بالعديد من الأزمات التي زادت من وحدتهم وترابطهم المعهودين . ويعتبر البعد الإجتماعي من أكثر هذه الأبعاد صلابة وأهمها تأثيرا حيث يظهر هذا الجانب بجلاء حيت تشتد الخطوب وتتوالي الأزمات لاسيما حين يشعر المصريون بخطر يحدق بوطنهم المقدس .
ويحتل البعد الديني مكانة خاصة داخل قلوب وعقول المصريين منذ فجر التاريخ حيث كان قدماء المصريين اول من نادي بالتوحيد وما لبثوا أن اعتنقوا الشرائع السماوية في تناغم واتحاد وتعايش نادر و مستمر  حتي هذه اللحظة  ، حيث يعيش أبناء الوطن باختلاف دياناتهم في نسيج واحد ومتماسك مشكلا أحد أهم مكونات الشخصية والهوية المصرية ' وليس أدل علي ذلك من شعار مصري خاص وخالص وهو 'الدين لله والوطن للجميع' 
ثم ياتي البعد العربي وارتباطنا الوثيق والممتد به لقرون ، فالبعض يعتقد اننا عرب ولكن الحقيقة أننا مصريون نتحدث العربية والأمة المصرية تمتلك قوميتها الخاصة لكننا لسنا عربا ولكن العربية جزء من هويتنا الخاصة '  فليس كل من يتحدث العربية عربيا  كما أنه ليس أي افريقي يتحدث الفرنسية فرنسيا بالضرورة والأمثلة علي ذلك كثيرة . ورغم أن المصريين يتحدثون العربية منذ قرون إلا أنهم صنعوا لهجة مصرية خالصة هي خليط غالبيته من اللغة العربية الي جانب مفردات من اللغة المصرية القديمة واللغة القبطية مع بعض الكلمات من مخلفات الأتراك. 
وأخيرا وليس آخرا،  تاتي الهوية الأفريقية والبعد الإفريقي وانتمائنا لقارتنا السمراء كروافد هامة ومؤثرة في تشكيل وجدان وثقافة وهوية المصريين منذ القدم

ولكن يؤسفني القول ان لدينا الٱن ازمه هوية لا تخفي علي أحد ، فأجيال المصريين حاليا  لا يدركون بوضوح أن لحضارتنا وهويتنا طابعا خاصا ونموذجا مختلفا  ، فنحن المبدعون  المكتشفون المختلفون علي مر التاريخ . نحن منشأ العلم والصناعة والزراعة ، نحن الأصل والأساس حيث ننتمي لحضارة عظيمة شكلت هوية البشرية وضميرها ، نحن الهوية الجامعة للعروبة والأديان والثقافات المختلفة مما شكل تاريخيا عمق وثراء الهوية المصرية . ولا يخفي علي أحد تعرض مصر عبر التاريخ لمحاولات هائلة لتزييف تاريخ الهوية والشخصية المصرية وكانت مصر  علي مر العصور أبية علي التغيير رغم توالي الغزاة حيث تمصروا هم ولم تتغير مصر . أما الٱن فقد تغيرت صور واستراتيجيات هذه المحاولات بعد ثورة المعلومات والانترنت والسوشيال ميديا  مستهدفة بأفكار متطرفة طمس فكر الشعب المصري المعتدل الطبع المتناغم والمحب لذاته وللٱخر . ومنذ نشأة الاسلام السياسي زادت أزمة الهوية حيث لا يفهم هؤلاء المتأسلمون الحد الفاصل بين الانتماء للوطن والدين في ٱن واحد . كما نشهد كل عام  فتاوى سلفية  تحرم تبادل التهاني مع إخواننا المسيحيين المصريين وفتاوى اخرى تقلل من شأن المرأة وتزدريها ومحاولات كثيرة لتفتيت الشمل المصري المترابط ومحاولات تفكيك الدولة الى دويلات طائفية ودينية تعتقد أن الانتماء الديني هو الأصل وتعتبر الوطنية انتقاصا من هذا الانتماء ، ولكن هذا الأمر يتطلب من القيادة السياسية وعيا في مواجهة هذه المحاولات الخبيثة والمتكررة والمستمرة دون يأس أو كلل . 

يجب أن تتبني الدولة المصرية  خطابا وطنيا مدروسا بعناية لإنقاذ الهوية الوطنية من هذه المحاولات . ويجب أن يضع هذا الخطاب صوب عينيه اختلاف المكون الثقافي باختلاف جغرافية مصر بحواضرها ومدنها وقراها في شمال مصر  وفي الصعيد والسواحل وسيناء ومطروح وغيرها ..  هذا الخطاب أيضا لابد أن يضع في الحسبان السوشيال ميديا وتأثيرها اللامتناهي حيث أنها واقع افتراضي للمجتمع الواقعي فلابد من اختراقه بخطاب إليكتروني موازي للعصر الجديد الذي لا نملك ترف تجاهله .

إن الحفاظ علي هويتنا المصرية التي تشكلت عبر ٱلاف السنين كان ولا يزال علي رأس أولويات صانع القرار . فشبابنا وبناتنا وأجيالنا القادمة وتاريخنا الهائل وثروتنا الثقافية هم جميعا أغلي ما نملك .ودون تهويل أو تهوين لا يجب أن نستيقظ علي وضع لم نكن نتخيل يوما أن نصل له... وبقراءة متأنية للتاريخ أثق في أننا سوف ننتصر في معركة أزمة الهوية المصرية ليس عندي شك .
اللهم احفظ مصرنا وهويتنا.