نوفمبر.. عيد الجمال 

خاطر عبادة
خاطر عبادة

السحب النقية والغمام والهواء المنعش يداعب الخيال، والطبيعة فى أجمل إطلالة وثياب، الأجواء مثالية والمزاج يعتدل فى نوفمبر.. أجمل شهور العام.  

جمال الخريف الهاديء هو ربيع بلون وشكل آخر حين يتناثر عطر أوراق الشجر المتساقطة وتفترش الزهور على الطرقات كإهداء للمحبة والسلام أو رسائل حب "مرمية" لتملأ الدنيا جمالا، والنسائم الجميلة تحرك الذكريات والحنين وتوقظ الحواس.. حتى الشجر يجدد أوراقه ويزيح عن كاهله الأوراق البالية ليحتفظ بحيويته بينما يتمسك بجذوره، كأنما يدعونا لتجديد الأفكار والتخلص من الأمور التافهة وعديمة القيمة والاحتفاظ بالأصل والمبدأ والثوابت.
 
والطقس المثالى فى الخريف يجعله موسمًا للحب والحياة وله جمال من نوع خاص ومتفرد كأنه الربيع لكن يضيء بألوان الخريف ويتسم بهدوء الخريف وطابعه المميز ويشرق فى القلب نور كإشراق جديد للحياة بألوان الزهور، ويجلب معه هواء نقي وجديد.. مع أولى النسمات تشعر كأن الطبيعة تفرح وتصالح الكون والحياة بعد أشهر من طقس الصيف الساخن والشمس الصاخبة.. لينعش وجوهنا بالهواء البارد.. سر جماله أنه يأتى بالهدوء والراحة والسلام بعد صيف متوهج فيبعث بداخلنا إحساسا بالأمل وبلوغ الراحة والأمان بعد المشقة والعناء. 

فى موسم التغيير والجمال وسقوط أولى قطرات الأمطار، نستنشق روائح الفرحة والرحمات وتملأ الدنيا بهجة وتغسل الحياة ويلوح فى الأفق السحاب الأبيض فتعزف الطيور أجمل الألحان.. ويتجلى فى معناها قدرة الخالق الذى أوجد الحياة وخلق الإنسان من طين وماء، وتفتح فيها أبواب السماء لاستجابة الدعوات.

نوفمبر هو الشهر المثالى للتنزه والرحلات والانطلاق والحيوية والتمتع بسحر وجمال الطبيعة واعتدال الطقس، وخير الشهور الوسط بين الصيف والشتاء، وقد يمزج بين مزايا الفصول الأربعة فى شهر واحد، وأجمل طلة لإشراقة الصباح وأحلى غروب ومساء.

كما يبدو جمال وعظمة الخريف كأنه نزهة قصيرة بين الفصول نستطيع خلالها التقاط الأنفاس أو مثل لحظات سلام جميلة مع الحياة قبل أن تقسو علينا الشتاء فى بعض الأوقات..

هو دعوة للاسترخاء وحب الطبيعة والتأمل واغتنام لحظات الحياة ولا تستقر على حال مثل أوراق الشجر والطبيعة وتتقلب مثل الفصول.. كما يغرس فينا الأمل والحب، فالشجر قد تذبل أوراقه وتسقط لكنه يعود ليثمر ويشرق من جديد.

والزمن هو الزمن لا يتغير، بينما تتبدل المواسم مثل المحطات فى عمر الإنسان والكائنات، ويغير من شكله ونظرته ويزداد نضجه بالحياة، لكنه لا يغير من طبعه وجذره ومعدنه، ويبقى الجمال الكامن فى الجوهر لا يتغير، وتصقله التجارب والخبرات وتكشف الأزمات عن معدنه، ولكل وقت جماله، فالطفولة هى الخيال والمرح، والشباب هو الحرية والربيع والجمال، والخريف هو المثالية والعظمة وخبرة الحياة.

دعوة للتأمل فى دورة الحياة والفصول بأنّ التغيير هو سنة الحياة، ولا شيء ثابث ودائم إلاّ وجه الله، أمّا أجمل تغيير هو الذى يلامس أعماق وجوهر الإنسان وينير المناطق المظلمة بعقله فيغير من شخصيته ليولد بداخله إنسان جديد.. وليس الشكل والمظهر فقط هو ما يجعل الشخص يطل بنظرة رضا للعالم كأنه متصالح مع الذات والحياة، لكن الحب والسلام ينبعان من الداخل، وهداية النفس هى ما تجعلنا ننظر بحب ورضا للناس والحياة وسلام واكتفاء.