الأديب الكبير الراحل بهاء طاهر : «قالت ضحى» وحرب اليمن

الأديب الكبير الراحل بهاء طاهر
الأديب الكبير الراحل بهاء طاهر

تُمثل تجربة بهاء طاهر فى الكتابة، كما تبدو لى، استكمالا لما يمكن تسميته بالسردية المصرية، وهى السردية التى اهتمت كثيراً بالبيئة الاجتماعية كمادة للقص والحكاية وامتحان الإشكاليات الواقعية والإنسانية.


هذا المنحى بدأ مع نجيب محفوظ بشكل كلّى ومقصور فى إيقاع سردى لا يمكن معه إلاّ أن تلمس خصوصية جماليات هذه البيئة التى مضى فيها يحيى حقى وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس قبل أن تصل إلى سرديات إبراهيم أصلان ويحيى الطاهر عبدالله وجمال الغيطانى وإبراهيم عبدالمجيد وصنع الله إبراهيم ومحمد البساطى وبهاء طاهر، لتذهب إلى منعطف آخر مع الأجيال التالية.


بهاء طاهر مع حرصه على تناول الإشكاليات الاجتماعية التى بدت فى روايتيه «شرق النخيل» و«قالت ضحى» إلاّ أنه فى المقابل حاول تتبع سياقات السرد الحديث بما يحمله من بنائية تبتعد عن القص التقليدى.

وإن بقى معتمدا على القصة/الحكاية كما فى «خالتى صفية والدير» و«واحة الغروب»؛ ومع هذا نجده خارج هذه الإشكاليات المكرسة فى السردية المصرية فى روايتى «الحب فى المنفى» و«نقطة النور».


شاءت المصادفة أن تكون رواية «قالت ضحى» هى أولى الروايات التى اقرأها لبهاء طاهر عبر طبعة (ديسمبر 1985) من سلسلة روايات الهلال الشهرية، والمصادفة/ اللافتة بالنسبة لى كانت فى تناوله لتجربة الوجود المصرى فى اليمن المساند للثورة هناك فى الستينيات. وهو تناول يعكس اهتمام السردية المصرية المؤسسة بالجوانب الاجتماعية.


كثيرون من الكتاب المصريين أشاروا إلى حرب اليمن بين الملكيين والجمهوريين والدور المصرى فيها وأبرزهم نجيب محفوظ الذى زار اليمن مع وفد أدبى عام 1963 ليكتب بعد سنوات (1967) قصته «ثلاثة أيّام فى اليمن» المنشورة فى مجموعة «تحت المظلة» 1969.


فى رواية «قالت ضحى» يطلبون سيّد القناوى للتجنيد، فيذهب وهو المنحدر من الطبقة الشعبية المصرية لأداء خدمة الدفاع الوطنى فى اليمن دعماً للجمهوريين ضد الملكيين وحين يعود من هناك يحكى عن تجربته ويقول إن رجال الإمام كانوا «يقولون للفلاحين لا تصلّوا مع المصريين فى الجامع لأنهم كفرة.

والمصريون اشتراكيون والاشتراكيون كفرة وصدّقهم كثير من الناس وتركوا لنا المساجد». ويقول إنه رأى الموت بعينيه فى اليمن ورأى رجله تطير وكان يمكن أن تكون رأسه وعاش بين الحياة والموت.


لم يكن سيّد القناوى من أبطال صرواح اليمنية التى انتشر صيتها، حسب قول حاتم فى الرواية، ولكنه كان فى قرية غير معروفة أنجز فيها المهندسون المصريون بناء مدرسة من صناديق الذخيرة أحرقها بعدها رجال الإمام، وعالج الأطباء فلاحين لم يعرفوا طبيبا فى حياتهم. وهم الفلاحون الذين كانوا يقفون مع القوات المصرية.

وبالرغم من شعور سيّد أن اليمنيين لم يحبوا التواجد المصرى وهو ما أثار الكثير من الجدل ليس على مستوى السرد الروائى فحسب ولكن فى الكثير من الأدبيات السياسية التى هى محل خلاف حيث إن القوى الجمهورية كانت ترى فى الدور المصرى سبب حياتها وحياة اليمن، وإن كان بعضها لم يرق لها مستوى هذا التدخل، فى مواجهة القوى الامامية الملكية. 


مع هذا، حين يعرف سيّد أن السارد الرئيسى سيسافر إلى خارج مصر مع الشخصية البرجوازية ضحى، والتى لم يستلطفها، يعلّق بالقول: «أعوذ بالله! اليمن أرحم».


فى هذه الرواية التى تتناول معظم الإشكاليات السياسية فى الستينيات فى مصر ومنها العلاقة مع الغرب، يمثل سيّد فيها تطلعات المصريين إلى غد بشّرت به شعارات الثورة، لكن خيبة الآمال فى هذه الشعارات أحاطت بكل العلائق الاجتماعية حوله، فى إثر تفشى الفساد الإدارى والبيروقراطية والانتهازية المواكبة مع كل تحوّل أو تغيير.

وذلك من خلال بناء سردى تتمثل فيه مختلف الطبقات الاجتماعية: الإقطاع، الرأسمالية الليبرالية، البرجوازية الصغيرة، والعمال والفلاحين، وهو بناء نجده فى معظم أعمال نجيب محفوظ المتناولة لهذه التحولات الاجتماعية، ومنها رواية «ميرامار».

اقرأ ايضا | درس الأستاذ بهاء : الكتابة بِوعيٍ مُتيَقّظ