خاطر عبادة يكتب: أجمل هدية 

خاطر عبادة
خاطر عبادة

الرحمة يودعها الله فى القلوب الجميلة فقط، المليئة بخير لا ينضب مثل البحر، ولا يحرم منها إلاّ إنسان شقى.. والقلوب المتسامحة الرحيمة هى أجمل هدية، والله تعالى سمى نفسه "الرحمن الرحيم اللطيف العفو الكريم"، فهو سبحانه يحب أن يرى تلك الصفات العظيمة الراقية فى عباده الرحماء..

ومن أجمل الصفات التى يتسم بها عباد الله الرحماء هى الطيبة، هى ريح من الجنة؛ وهى لا تكون فقط بإظهار اللطف والحرص على عدم جرح مشاعر الناس أو وجوه يشعر تجاهها الناس براحة نفسية وأمان وخير فقط، بل تكون فى قمة التحضر والإنسانية والرقى حين يبلغ معناها جبر الخواطر.. والمجال لا يتسع لذكر فضائل تلك الصفة فى الإسلام والقرآن وتوصيات الرسول التى تجعل من المشى فى حاجة أخيك المسلم أفضل من الاعتكاف فى مسجد الرسول، ومن أفضل الأعمال.

لكن أكثر ما أثار انتباهى عن عظمة جبر الخواطر  عند الله، هو أنّه سبحانه يحثنا على جبر قلوب الناس حتى وصل الأمر والعتاب الإلهى لعباده فى حديث قدسى عظيم بأن شبّه المولى من يمشى بين الناس جابرا الخواطر كأنما أسعد الله تعالى بذلك وأرضاه وهو رب العالمين..وهو الغنى عن عباده؛ ورغم أن الله وحده هو جابر الخواطر؛ وأن الإنسان المبتلى قد لا يكون فى حاجة لمواساتك لما يراه من عظيم لطف ومعية الله؛ لكن الله يريد أن يختبر مقدار الرحمة والإنسانية وأخلاق الناس وقدرتهم على جبر القلوب.. فيقول الله تبارك وتعالى ـ يوم القيامة:  « يا ابن آدم ، مرضت فلم تعدنى . قال : يارب ، كيف أعودك وأنت رب العالمين . قال : أما علمت بأن عبدى فلانًا مرض فلم تعده ، أما علمت أنك لوعدته لوجدتنى عنده .. 
يا ابن آدم ، استطعمتك فلم تطعمنى . قال : يارب ، كيف أطعمك وأنت رب العالمين ، قال : أما علمت أنه استطعمك عبدى فلان فلم تطعمه ، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندى  . 
يا ابن آدم ، استسقيتك فلم تسقنى . قال : يارب ، كيف أسقيك وأنت رب العالمين . قال : استسقاك عبدى  فلان فلم تسقه ، أما أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندى  » .

والله لطيف بعباده..؛ فقد ينظر الناس للمبتلى نظرة تجاهل أو ازدراء، لكنه يجهلون معنى "لطف الله بعباده" وكرمه عليهم فهم ليسوا بحاجة لك، وإنما هو اختبار الرحمة، فالإنسان المبتلى بحرمان شيء من متاع الدنيا قد تجده لا يألف بالأنس إلا مع ربه فى هذه الفترة، ويشعر بمعية الله وقربه حين تغرب عنه الدنيا والناس، يرى لطف الله وجبره فى أدق التفاصيل؛ يتلذذ بذكر الله ومناجاته، يتعلم من تلك الحالة كما لو كانت مدرسة ربانية- أنقى الأفكار والمشاعر  وأصدقها على الإطلاق؛ كأنما يريد الله تعالى أن يعلمه ويطهره ويأخذه إلى مسار سبقه إليه العاكفون على العلم طوعا بإرادتهم، ليذوق مثلهم نفحات العلم والإيمان بهذا الابتلاء والحرمان من بعض متاع الدنيا؛ ويتقرب إلى الله لأنه فى هذه الفترة بعيد عن لهو الدنيا وغفلتها.. فالمنع عند الله هو خير وحب ومعية وعطاء

هكذا تكون نظرة المؤمن للبلاء من حسن ظن بالله تعالى أنه يحبه وأنه ما أراد إلا تطهيره وقربه وتعليمه؛ ولما يلمسه المؤمن من تلك التجربة أن الله وحده الذى يجبر خواطر العباد؛ حتى يصل إلى مرحلة اليقين بأن الله لا يتخلى عنه ولا يعذبه؛ فلا يتضجر من البلاء فيستحى أن يشتكى إلى الناس 

أما القلوب البيضاء الجميلة، فهى مثل الشمس ترسم البسمة والسعادة والنور، شعاع الخير والأمل والإشراق، رمز الدفء والعطاء و الطيبة والأمان، ومصدرا لطاقة إيجابية متجددة تضيء للآخر.. تمنحك قدرا من النور لتواصل العطاء وتشرق بداخلك نظرة أفضل للكون و الحياة والناس.

هى قلوب نقية بيضاء ووجوه طيبة وأميرة!.. هم أجمل بشرية؛ هدية مغلفة بقلوب جميلة نقية.. هى قلوب طيبة صافية مثل السماء.. تحمل كل مفردات السلام والحب والتسامح والرحمة والخير.. وطباع حسنة وسمحة نظيفة هينة لينة ودودة.. بشوشة وقريبة أو مهذبة ولطيفة.. متسامحة متفائلة صابرة أنيقة؛ وأنقى من السحاب 

لا تجادل كثيرا ولا تدقق طويلا ولا تكذب أو تغتر.. تصرفاتهم غير متكلفة- بسيطة- تجبر الخواطر بكلمة.. دائما أفعالهم جميلة، طباعهم هادئة أو مقبولة- حتى فى صمتهم ميزة، لأن داخلهم نقاء ونور ..ربانى! - وسكينة، تحمل الخير مثل أفئدة الطير هم أجمل بشر

والقلب السليم هو وعاء يحمل معه كل خلق رفيع وسمو فكر وعقل راقى.. ويكفيه من ذلك النقاء أن يكون محل قبول رب الأرض والسماء.. وإن هناك أناسا يدخلون الجنة بغير حساب لأن لهم أفئدة مثل أفئدة الطير- بسبب النية والقلب الطيب وحب السلام وإشاعته بين الناس.. كما يحرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس.

وما عوقب الناس بشيء غليظ مثل القسوة ونزع الرحمة فهو أعظم حرمان.. وما عم البلاء وانتشر  بين الناس إلا بتبدل النية وعلى قدر حرمانهم من الرحمة والمحبة واعتياد الذنوب؛ والله سبحانه يعفو عن كثير.. كما يعجل العقوبة فى الدنيا للمؤمن رحمة به حتى يمحى ذنبه ويعفو عن كثير فى الدنيا كما يعفو أكثر فى الآخرة سبحانه وتعالى.

إن شيوع الرحمة والخير بين الناس يهون الصعاب ويخفف من وطأة الأزمات والمشاكل؛ فلا نكاد نشعر بأن هناك مشكلة طالما اتصلت القلوب ببعضها وصدقت لله.. وما أحوجنا إلى التراحم فيما بيننا هذه الأيام والإحساس بظروف الناس.

لو تصفو النوايا ستصفو الحياة.. أما الظن فهو أكذب الحديث، والغضب من مداخل الشيطان؛ فلا تدقق أو تقف عند كل كلمة أو موقف؛ الغضب يفسد الكلام والتركيز والأفعال ويهدم الروابط والعشرة وأمورا حلوة.. وعواقبه سيئة، فقد يؤجج العنف والقسوة والكراهية والجهل.
 
لكن العلم نور، والكلمة الطيبة بلسم النفوس وتأسر قلوب.. تحول العداوة إلى تفاهم وتصفى النفوس وتهزم النفس الأمارة بالسوء.. وتجعل غيرك كأنه ولى حميم وطيب ومطيع حتى لو لم يكن كذلك، لكنه رد فعل طبيعى بتأثير الكلمة والمبادرة الطيبة.

الكلمة الطيبة صدقة؛ وتدل على تحضر ورقى وأناقة صاحبها، وتزيد أواصر المحبة والأخوة وتزيل العداوة والبغضاء.. وقديما قالوا (الإحساس نعمة) لما رأوا من أثر ذلك السلوك المتحضر الانسانى والفهم فى نفوس غيرهم والحرص على مراعاة المشاعر، أما الكلمة الخبيثة تؤذى وتدمر وتشعل فتنة.. فالإنسان لا يمكن أن يدعى أحدنا التدين وسلوكه فظا وكلماته مسمومة؛ فإن هناك امرأة- أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم- دخلت النار بسبب تعذيبها لقطة؛ فما بالنا بمن يؤذى مشاعر البشر.. فالناس تميل للطباع السهلة اللينة.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا