«معجزة» خير أجناد الأرض

خاطر عبادة
خاطر عبادة

مناسبة جميلة أن تتعانق الذكريات المقدسة هذا العام، حين هلّت علينا ذكرى النور ومولد أكرم الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى ربيع الأنور، وهى ذكرى تبعث فى النفس بهجة وإحساس العيد.. متزامنة مع ذكرى النصر والنسائم الجميلة فى أكتوبر..العزة والكرامة، وملحمة الصائمين التى نتذكرها دائما بفخر وإعزاز وأثبتت قوة إيمان المصريين بدينهم ووطنهم إلى أقصى الحدود.. حين وقف العالم كله احتراما وتقديرا وتحية لكل مصرى.

وروائح العطر تفوح مع كل ذكرى طيبة وخالدة لا تنسى، فتحرك فى النفس مشاعر وأفكار ونستلهم منها أجمل المعانى الطاهرة وتتجدد عزيمة وإيمان المرء وتذكرنا بأصل قوتنا وماضينا الجميل.

وحب الوطن من الإيمان، فلم ينتصر أجدادنا فى كل معاركهم السابقة إلا بقوة الإيمان وفى ضوء الإمكانيات المتاحة ليبدو تحقيق النصر كما لو كان معجزة نزلت من السماء وسر إلهى خالد مادام فى الأرض إيمان، وتؤكد حرب أكتوبر 73 أن الإيمان بالله هو أعظم وأقوى سلاح حتى فى تاريخنا الحديث، وهو سر بقاء وترابط المصريين ووحدتهم، ولديهم عقيدة ثابتة بأنه لا يمكن لأى شيء فى العالم أن يقهر هذا الشعب العظيم، وإيمانهم أيضاً أنّه لن تستطيع قوة على ظهر الأرض أن تهزم شعب مؤمن، أو تزعزع من عقيدته، وقتها سيفاجيء الجميع ببطولات غير مشهودة فى العالم كله.

كما تمثل تلك المناسبة تجديد للعهد وتأكيد التلاحم القوى المتين بين الشعب المصرى وجيشه الوطنى الباسل مهما بلغت محاولات التشكيك التى  تنفذها أجندات خارجية عبر قوى مأجورة مستغلة غياب الوعى والفقر لدى بعض الناس.

فى يوم من أيام الله.. وصفحة خالدة فى تاريخ مصر الحديث، تحققت المعجزة العسكرية الإيمانية على أرض مصر وكان أبطالها خير أجناد الأرض، وجاء توقيت المعركة ذكيًا ليدل على قوة الاستعانة بالله لتحقيق النصر- فى شهر رمضان، وانتصرت قوة العقيدة وصلابة الإرادة وصدق التوكل، رغم استحالة أسباب النصر فى نظر العالم.. وعبور جبل منيع ومياه القناة الحصينة فى وقت قياسى بأقل الإمكانات، لكن إيمان المصريين كان أبعد من نظر الجميع، لكننا أمام أمة عظيمة تؤمن بالبقاء ويظهر معدنها الأصيل وقت الصعاب

سيظل انتصار السادس من أكتوبر عام 1973 خير شاهد على شجاعة وبطولة المقاتل المصرى، وأصدق مثال فى التاريخ الحديث يبرهن على استحقاقه شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه خير أجناد الأرض.. حين يهب بكل مالديه من إيمان ووطنية وأصالة تمتد جذورها لآلاف السنين ليرهب الأعداء.. لم تكن الهزيمة عامل يأس وانهيار لأمة، لم تكن إلا وقودا ينفجر فى وجه العدو.. ويذكّر العالم بعظمة مصر.. لم تكن إلا دافعا لصناعة المجد فى سنوات قليلة واستعادة قوى البطل أقوى جيوش العالم.

قبل الانتصار كان كل شيء يبدو مستحيلا.. حتى التفاوض مع العدو كان غير منطقيا ولا معقولا، لكن قوة الثقة والإيمان بين المصريين كانت أكبر من ذلك بكثير.. كما سجل المصريون فى حرب الاستنزاف بطولات خارقة، وهى المعارك والاشتباكات المتقطعة التى سبقت حرب أكتوبر بـ6 سنوات، ولم تتوقف دعوات المصريين لزعيمهم بأخذ الثأر واسترداد الكرامة واستعادة سيناء الغالية، الأرض التى باركها الله

تحققت معادلة النجاح وهى إيمان وإرادة وتوكل وروح الجماعة.. بنفس تلك المباديء عادت همة المصريين لإعادة تعمير سيناء بشكل متوازى مع تطهيرها من بقايا الإرهاب.. لتدب فيها مياه الحياة والخضرة والنماء بعد أن ارتوت كثيرا بدماء الشهداء.

هكذا كل الإنجازات والنجاحات الكبرى بدت من الخارج مستحيلة، حتى يومنا هذا.. لم يتوقع أحد أن تعود مصر أقوى بكثير مما كانت فى كل المجالات فى سنوات قليلة، وصامدة رغم كل الأزمات العالمية والإقليمية..
مصر هى قلب العروبة النابض.. أكبر دولة عربية تتمتع بسيادة كاملة على أراضيها ولا تقبل المساومة على أمنها القومى، وتتحرك وفق ثوابت وطنية، الجميع يعلم ذلك رغم ما يحيط بها من مخاطر على كل جانب ومكائد، والكل يعى أن إدارة دولة كبرى بحجم مصر وسط وضع عالمى مضطرب، هو حمل كبير لا يقدر عليه إلاّ الرجال "سواء أمنيًا أو اقتصاديًا أو خارجيًا".

وكذلك فإن احترامنا نحن لمفهوم سيادة الدولة ينبع فى الأساس من الدين وتعاليمه العظيمة التى تعظّم من احترام مبادىء الجماعة والانضباط واحترام القانون.. وعليه فإنّ المؤمن الواعى يجب أن يكون يقظا لمحاولات جماعات متمردة تسعى لتقسيم الشعوب و إضعاف جيشها تمهيدا لاحتلالها من الخارج

.. فى أى مكان تذهب إليه القوى الاستعمارية يكون برفقتهم تنظيمات متطرفة ومأجورة مثل تنظيم القاعدة أو أية مسميات أخرى، للقيام بذلك الدور ثم يشتبكوا مع الجيش القومى أو طوائف أخرى لتقسيم البلاد.

والمعارضة أيضا لها نظام وإطار يجب أن يحترمه الجميع.. لا يمكن أن تكون هناك جماعة تمويلها من الخارج ولا تؤمن سوى بخلافتها فقط ثم تسعى لتأسيس حزب سياسى، فأول ما يفعلونه لو أتيحت لهم السيطرة هو  الانفراد بمقاليد الحكم وإقصاء الجميع وكل من يعارضهم سيعتبرونه خارج عن الدين.. وسيكون حكمهم جبرى بعقلية متخلفة وتأسيس دولة لهم على غرار حكم طالبان أفغانستان.. ثم يكون ذلك بهدف إحداث فوضى و تقسيم مصر أو إضعاف جيشها تمهيدا لاحتلالها من الخارج- لا قدر الله.

حتى لو كانت نشأة جماعة الإخوان  غامضة أو تحت غطاء سياسى وتدعى الوسطية، لكن لها علاقة بالجماعة الإسلامية التى اغتالت الرئيس الراحل أنور السادات، ولها علاقة أيضا بتأسيس تنظيم القاعدة.. وعلى الأقل تخدم مساعى جهات أجنبية ولديها أجندات لتفريق الشعوب العربية معنويا بتقسيم الناس لحزبين معاديين- حتى لا تتوحد الشعوب.. أفسدوا مفهوم الدين والدولة من أجل مصالح مادية و حزبية ضيقة..

ويحب أن يعى الجميع أنّ الرأى السياسى مسألة وعى وضمير، وليس مجرد توجهات حزبية.. لو كان الخلاف سياسى فقط.. لما تحول المشهد السياسى العربى إلى مشكلة مزمنة وصراعات وعداء، لكن لهم أيديولوجية حزبية خاصة وأجندات تملى عليهم من الخارج.. وعليهم تنفيذها بدون جدال ولا نقاش