إنها مصر

فى سماء الإبداع !

كرم جبر
كرم جبر

تركنا دورنا فى رعاية الفن والفنانين، وانتقلت السطوة للمنتجين بأموالٍ تأتى من الخارج، فأصبحوا رهائن لمن يمتلك رأس المال، ويُوجِّه دفة الفن، ولم يكن الفن المصرى فى يومٍ من الأيام، إلا مصرى الهوى والإلهام والإبداع والخيال والفلوس.

تعمَّدت بعض شركات الإنتاج الخارجية أن تتعاقد مع المطربين الكبار بأرقامٍ فلكية، ولكنها احتكارية ولا يستطيع الفنان أن يتحرك دون إرادة المنتج، وكثير من العقود كان الهدف منها منعهم من الغناء، لصالح فنانين آخرين غير مصريين.

لم أفقد ثقتى يومًا بأن مصر ولَّادة، وفيها عشرات الآلاف من الأصوات والمواهب التى لا تقل عن أم كلثوم وحليم وعبد الوهاب وعبد المطلب ومحمد قنديل ونجاة وشادية وغيرهم.. ولكن من ينقّب عن المواهب المدفونة ويكتشفهم ويعيطهم الفرصة ويحميهم من أباطرة الإنتاج؟

لهذا السبب.. سعادتى كبيرة وأتمنى أن يستمر برنامج "الدوم" كصناعة مصرية خالصة، هدفها التنقيب عن المواهب الشابة فى المدن والقرى، ومحاولة اكتشاف جيل جديد.

مواهب كثيرة فى الغناء والتمثيل والتقديم التليفزيونى، وأسماء سوف يكون لها مستقبل كبير، بشرط رعايتها وحمايتها وإعطائها الفرصة للظهور، بعيداً عن الاحتكارات والإحباطات.

خطوة أولى يجب أن تليها خطوات مدروسة وواعية، لاستعادة الفنون الجميلة والروح الأصيلة، وإحياء الأمل فى نفوس المواهب التى تبحث عن فرصة.
"مصر ولَّادة"، ولن نذهب إلى المستقبل بأمجاد الماضى فقط، ولكن بتعظيم الحاضر والتطلع إلى المستقبل.

فى السبعينيات والستينيات وقبلها، كانت حفلات أضواء المدينة مهرجانًا فنيًا يتسابق عليها عشرة أو خمسة عشر فناناً ومطربًا، من الأغانى الوطنية حتى العاطفية والشعبية والمواويل والفلكلور، فى منافسات قوية لإبراز القوة الناعمة.

وبعد ذلك حدث التجريف.. ابتداءً من السبعينيات التى شهدت سنوات الغربة وتغيَّر كل شىء، وأصبحت اللكنة الغنائية غير مصرية، وتم تعميمها بشكل واسع فى المسلسلات التركية المدبلجة، فتعود الصغار والكبار عليها، وأصبحت اللهجة المصرية غريبة على الآذان.

وهربت بعض الأصوات الشابة إلى الأوبرا والأغانى القديمة، فظلت أسيرة لها، لأن من يستمع لمطرب شاب يُغنى لعبد الحليم مثلاً، يصعب عليه الخروج من القديم، ولا يقبل منه الجمهور أى أغانٍ جديدة.

نُريد صوت أم كلثوم يأتينا من بعيد بأنغام الحاضر وايقاع المستقبل، شاحذاً الهمم للذوق الجميل والفن النبيل، باعثًا فى النفوس طاقات الأمل والإبداع والخيال الذى يهيم فى الفضاء الفسيح، يفتش عن مكونات الهوية المصرية، بعناصرها المتسامحة.