صباح ومسا

قواعد التنطيط الأربعون

نادر عيسي
نادر عيسي

يتثاءب وهو يطلب أونلاين أوردر الأكل الصحى أو كما يقولون «هيلثي»، بدلًا من أن ينزل ويشتريه بنفسه ويتمشى لنصف ساعة رياضة، تمنع عن أولادها الشيكولاتة والأغذية المُصنعة لأنها مسرطنة؛ لكنها تتركهم لساعات على اليوتيوب، كل يوم نسمع عن شيء جديد يجرى إليه البشر أميالًا من أجل الحصول عليه، لماذا؟ لأن أصدقاءهم قد حصلوا عليه وحكوا لهم عنه، تشعر كأن الناس كانوا فى غفلة من قبله، فيديوهات المطاعم الجديدة على مواقع التواصل ننبهر جدًا ونتمنى أن نكون أحد هؤلاء الذين يستمتعون بهذا الطعام الشهى، ونسجل مثلهم تلك اللحظات على هواتفنا وننشرها ليرى العالم كله أننا مثلهم، نحن الـ«community» الذين اصطفاهم الله وحباهم نعمة زيارة هذه الأماكن وتوثيقها «ده احنا مكناش عايشين يا جدعان».


لكن الحقيقة؛ ومن داخلك جدًا، هناك فى عمق عقلك الواعى وليس الباطن، تجد وخزًا فى ضميرك يقول لك «إيه الأكل المقرف ده!»، وتحاول أن تجد تعزية للمقلب الذى وقعت فيه أن «بس ديكور المطعم تحفة» أو «الخدمة تحفة.. والأكل نازل بارد»، وتمنع نفسك أن تجهر بمقولة «والله كنا جبنا عيش فينو سخن من الفرن وجبنة رومى وقعدنا فى البلكونة مع كوباية شاى أحسن» .


لكنك تُمنى نفسك بأن تحظى صورتك بعد إضافة فلتر يُحسِّن منها على فيسبوك أو انستجرام بتعليقات مثل «اللى ياكل لوحده، كده تروح من غيري»، وكمية من القلوب الحمراء اللطيفة، لترسم لنفسك صورة أنك مليونير تأكل فى أغلى الأماكن، ولا تتردد فى اتباع طائفة المؤثرين الجديدة على مواقع التواصل، وسط كل هذا تخاف أن تنتقد أى شيء وكل شيء إلا بعد أن يسمحوا لك ويأذنوا للقطيع بهذا، رأيك السلبى أو انتقادك يسرى بداخلك كالبركان الذى يريد أن ينطلق ويثور لكنك تمنعه وتهذبه بأن تخبر نفسك بأنك ستكون مطرودًا من جنة الفولورز.

أتذكر جيدًا عندما اتصلت هاتفيًا بأحد هذه الأماكن الراقية الجديدة بغية الحجز، طلبوا منى أن أرسل لهم حسابى وحساب كل من سيأتى من المعزومين على مواقع التواصل خاصة انستجرام، سألت؟ ردت بكل حزم: «دى الـrules بتاعت المكان يا فندم»، ملايين الأسئلة دارت فى ذهنى، وجدتنى أقول لها:«خلاص شكرًا»، وأقول لنفسي: «أصلها مش ناقصة تنطيط وحياة اللى جابوكوا».