رفعها هارولد بلوم إلى منزلة الكتب المقدسة.. مقالات مونتاني أو المرايا!

رفعها هارولد بلوم إلى منزلة الكتب المقدسة:مقالات مونتانى أو المرايا!
رفعها هارولد بلوم إلى منزلة الكتب المقدسة:مقالات مونتانى أو المرايا!

يكتب : أحمد الزناتى

يعترف إيميل سيوران أنه لم يكن يوماً من هُواة التعليق على الكتب على اعتبار أن كل ما لا يأتى على لسان المؤلف مباشرةً يخلو من القيمة. ربما يصدق كلامه أحياناً، لكنه لا يصدق عند الحديث عن مونتانى، فمتعة الكلام عنه لا تقل عن متعة  قراءة نصوصه، وعدد التعليقات على مقالاته لا يقل عن عدد قُرّائه. تراودنى الصورة التالية عن مقالات مونتاني: آراها مرايا ضخمة بطول مُجمّع التحرير وعرضِه منصوبة أمام البوابة ليرى فيها كل زائر نفسه ، فيعود من حيث أتى بعد أن نسى فيمَ أتى. 


المقالات، وفى الأصل الفرنسى Essais ، قرينة المحاولات،Essayer  كلمة فرنسية معناها يحاول، وفى الإنجليزية من بين مرادفات الفعل to essay:(to attempt» to try «to venture)، وكلها ظلال دلالية لمعانى المحاولة وبذل الجهد وخوض التجربة.


الأمر،إذن، بدأَ بمحاولة. يقول مونتانى فى مفتتح الكتاب مخاطباً القاريء: «أقدم لك هذا الكتاب بِنيّة صادقة، حيث أنبهك من البداية إلى أن الغاية من إعداده مجرد غاية خاصة وشخصية، فأنا لم أضعه لكى أساعدك ولا طلباً للمجد». 
 

تتعدد تأويلات مونتانى بتعدد قُرائه. وبالتالى سيكون ضرباً من  الاستسهال التعليق على فكرة أو اثنتيْن عند مونتانى، فكل فصل موضوع قائم برأسه. أكَّـدَتْ على ذلك سارة بيكويل فى كتابها الأمتع والأسهل عن مونتانى «كيف تُعاش الحياة». ومن ثم، ولكيلا أفسد على القاريء متعة الاطلاع على نصوص الكتاب واختبار مدى استجابته لها، سأدندن حول المعانى، بمعنى أننى سأتحدث عن الجزء الأول من مقالات مونتانى بترجمة مبدعة أنجزها د. جلال الدين سعيد من زاويتيْن؛ الأولى نظرة سريعة على آراء ثلاثة من كبار قُرّاء مونتانى من أجيال ومذاهب متباينة، وهم نيتشه وهاورلد بلوم وجون كوبر بويس، بهدف فحص السؤال الأساسى لقارىء مُبتلى بفضول مانجويلي: لِمَ المقالات؟ وأية فرادة اختُصَّت بها لتأسر انتباه الفلاسفة والمفكرين على مدار أربعة عقود؟ والثانية محاولة أو Essay من جانبى لفهم السبب الذى جعل هذا العمل خالداً فى ذاكرة الأرشيف الأدبى العالمى شأنه شأن الإلياذه والكوميديا والكيخوته برغم أنه بورتريه شخصى لتفاصيل حياة رجلٍ واحد.  


أقرّ نيتشه بفضل مقالات مونتانى عليه وعلى تكوين أسلوبه. ففى كتاب شوبنهور مُربـياً (ت: قحطان جاسم، منشورات ضفاف 2016) إشارة إلى أنه مادام رأى أن رجلاً واحداً فقط وهو مونتانى يمكن أن يوضع من حيث الصدق فى مرتبة عالية كمرتبة  شوبنهاور، بل  حتى أعلى منه. 


أوقعتنى صدفة التسكع الأسبوعى فى فضاء أمازون على كتاب يحمل عنوان نيتشه ومونتانى                 Palgrave Macmillan,2017) Nietzsche and Montaigne,) لأستاذ الفلسفة الأميركى بجامعة بايلور     روبرت ماينر، وهو عمل لامع يتناول أوجه تأثّر نيتشه بمونتانى، ربما أتكلم عنه مستقبلاً بشيء من التفصيل. سأكتفى هنا بنقل الفقرة التالية من الفصل الأول، صفحة 12 لإبراز فكرتي:


«ما الذى راق لنيتشه فى مقالات مونتاني؟ قال نيتشه إن الكتاب يحتوى على أفكار من النوع المُولَّد للأفكار. والغرض من كتابى هو النظر فى أفكار «المقالات» نفسها، فضلاً عن الأفكار التى ولدّتها عند نيتشه، وبالمعنى الأعمّ الأشمل للكلمة يمكننا أن نتحدث هنا عن تأثير مونتانى فى نيتشه. ولكن، لا ينبغى قراءة الكتاب الذى يين أيدينا على أنه تمرين فى تتبع التأثير والتأثّر، بل ينبغى أن يُقرأ على أنه حوار مستدام بين مونتين ونيتشه. الحوار هو الذى يصنع الأفكار».  


السرّ إذن هو قدرة نصوص مونتانى على إنتاج/توليد الأفكار. هل كان نيتشه أو باسكال أو رالف والدو إيمرسون أو فيرجينيا وولف يعانون نضوباً فى أفكارهم؟ بالطبع لا؛ أظنهم كانوا فى حاجة إلى عقلٍ هاديء متشكك يحاورونه. فى مقالة بعنوان تحريات حول شيشرون، ص: 233 فقرة يقول:» ..فكم من الروايات أتيتُ على ذكرها دون تعليق، قد يَستخلص منها مَن يريد فحصها مادةً لتأليف ما لا نهاية له من المقالات».  ميزة مونتانى هى أن أفكاره جاءت بفضل عينيه المتشككتين، وكانت ثمرة تأمله الشخصى للعالم، وليس من حصيلة قراءاته لنصوص القدماء وحدها برغم أنها عامل أساسى نظراً إلى عدم خلوّ صفحة من اقتباس أو استشهاد. 


كان مونتانى متشككاً لأنه كان يرى أن أى شخص يرغب فى العيش فى وئام مع حقائق الحياة يجب أن يكون متشككاً إزاء ثوابت الأفكار والمذاهب، فالحياة إن هى إلا مجموعة من العناصر المشوّشة المتشابكة لدرجة أن أى موقف آخر غير التشكك يُعد ضرباً من الحماقة. هنا أسأل: ألا ينطبق الأمر على نيتشه (أسلوباً وفكراً ورؤية)؟ لماذا يُقال عن نيتشه إنه كان يتفلسف بمطرقة؟ وعلى رأس مَن؟ على رأس الدهماء ومَن كان يمقتهم من الفلاسفة المحترفين، إذ لم تكن الأنساق الفلسفية الجامدة ذات قيمة بالنسبة إليه.


أما هارولد بلوم فقد رفع مقالات مونتانى إلى منزلة الكتب المقدسة وأدخلها فى تنافس مع شكسبير ودانتى، ونقلَ عن إيمرسون، وهو النسخة الأميركية من مونتانى كلمته: «اجرَحْ هذه الكلمات وسوف تنزف، لإنها حيّة». 


فى رأى بلوم دمجَ مونتانى نفسَه مع كتابِه،:» لا يوجد كاتب يسترق السمع إلى نفسه برهافة ومثابرة مثلما يفعل مونتانى، ولا يوجد كتاب آخر يطرح نفسه كصيرورة مستمرة مثل كتاب المقالات. مونتانى هو الرجل الذى كان الكتاب الذى هو الرجل». (المعتمد الغربى فى الأدب، هارولد بلوم، عابد إسماعيل، التكوين 2021). وهنا وجهة نظر ثانية للوقوف على خصوصية المقالات: إرهاف السمع إلى الذات ورفض الانحياز إلى طرف لصالح أو ضد طرف آخر. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مونتانى كان يعمد إلى حيلة تعليق الحُكم، وباللاتينية Epokhe، بمعنى «أنا أعلّق الحُكم» على أى سؤال وأية قضية، فالناس مُغرمون بالجِدال والسفسطة فيما يفقهون، وأكثر فيما لا يفقهون. كان مبدأ مونتانى أن يترك نفسه  تطفو على سطح الحياة. على حِسب الريح ما يودّى الريح بتعبير الأبنودى، أو أن يدع الحياة تحدث له بتعبير ريلكه. 


وأما الأخير فهو الكاتب البريطانى الأسطورى جون كوبر بويس.  فى كتابه Suspended Judgments: Essays  on Books and Sensations، وهو واحد من بين بضعة كتب مقالات ألّفها حول قراءاته فى الأدب الغربي. يطرح بويس السؤال الأهم عن مونتانى فى اعتقادي: ما الروح الجديدة التى نفخها مونتانى فى جسد الحضارة الغربية؟ وما النبرة الجديدة التى تمكن الرجل من صنعها على نار هادئة طوال سنوات، مراكماً تِلالاً من الاقتباسات من النصوص القديمة، مازجاً إياها بتأملاته الشخصية؟ 


يجيبنا بويس بأنها الأنانية الجمالية بالمعنى النَفسى للكلمة (لفهم مقصد بويس يُوصى بالرجوع إلى فصل عن العزلة)، والأنانية هنا لا تعنى بالضرورة إيثار النفس ودعس الآخرين بالأقدام أو الإغراق فى الغرور. الأنانية – والكلام هنا على لسان بويس - هى لفتة فكرية، مزاج فلسفى، ربما  - على قدر ما فهمتُ من أبيقور -  متصل بأخلاق اللذة بالمعنى الفلسفى للاصطلاح، بمعنى تحويل الفكر من الأشياء المحزنة إلى الأشياء المفرحة. يقول مونتاني: «لقد تصالحتُ حقاً مع الحياة بصحبة هذا المَـغَص، فأنا أجد فيه غذاء للسلوى والأمل. من الأفضل أن يكون المرء معتدلاً، متواضعاً وغامضاً بعض الشيء، والطبيعة ستعتنى بالباقي». 


يضيف بويس إنه برغم ما ورد فى اعترافات القديس أوغسطين ثم اعترافات روسو وكازانوفا من جرأة تصل إلى حد الوقاحة، إلا أن خصوصية مونتانى مردّها إلى وعيه برغبات مزاجه الشخصى وطبيعته للسيطرة على شياطينه (ها هنا نرى نزعة أبيقورية واضحة وتفسيراً آخر لمفرد الأنانية)، فكتبَ المقالات لأجل التسلية الشخصية، لا لأجل تسلية الناس واكتساب جمهور وأتباع. 


أتذكّر الآن مقولة وردَت فى تأملات ماركوس أوريليوس تقول: كيف ينشد المرء رضا الآخرين عنه وهم غير راضين عن أنفسهم ولا عن عيشتهم من الأساس؟ 


نقرأ فى فقرة لافتة من مقالته عن العزلة (ص 230):» إنى أكتفى بالقليل، وقد أرضى بمُعجَب واحد، بل بلا أى واحد. فأنتَ وصديقك تكونان مسرحاً كافياً أحدكما للآخر، بل أنت وحدك تكون وحدك مسرحاً. اختل بنفسك، ولكن كن مستعداً أن تستقبل نفسك. من الجنون أن تثق بنفسكَ وأنت لا تحسن التدبير».


 يلوم ج.كوبر بويس مونتانى على موقفه الرجعى حيال المرأة. كان الأخير يرى أن حب المرأة كان على الدوام  شيئًا مأساوياً كارثياً، فالمرأة متقلبة بطبعها، غير مفهومة، شيء أشبه بوضع اليدين فى ثلج متجمد أو تعريضها لنار مشتعلة، ومَن خاف سلم. فقلّل من شأن حب المرأة وأعلى من شأن حب الصديق. فالحب ينطوى على الغيرة والرغبة فى الاستحواذ والتملّك، والطرف الأول لا يعلم أن الثانى يتأذّى من هذه التقلبات، فى حين أن الصداقة - لو صدَقَتْ - سخية متسامحة حتى لو ذلّ الصديق أو أخطأ بقصدٍ أو من دون قصد، فهناك العتاب، والعتاب نسيم الحياة.


أكثر ما لمسنى فى تعليقات بويس هو قوله إن الاهتمام بمقالات مونتانى تزداد كلما تقدمت بك السن، وبعد الأربعين تصير الحاجة إلى قراءة مونتانى مثل الحاجة إلى الماء والهواء. ومثله مثل دانتى الذى وجد نفسه عند عتبة الأربعين فى غابة مظلمة، ودون كيخوته الذى هجر كتب الفروسية ليرحل باحثاً عن مغامرات الفروسية ويونج الذى دوَّن دفاتره السوداء ثم الكتاب الأحمر، طرأ على حياة مونتانى تحوّل حاد بعد وفاة صديقه الصدوق «لابويتي». وهكذا فى منتصف عمره وُلِد من جديد. تجلّى هذا التحول فى قراءاته ورغبته فى مقاربة كتابة حرة متحررة من قيود الكتابة التقليدية أو من «الشكل البدائى للكتابة»  على حد قول سمعتُه من صديق وكاتب كبير (رواية، قصة، نوفيلا، إلخ). يضيف بويس أن أهمية مونتانى تكمن فى أنه يُريكَ مكانك فى هذه الدنيا. أعتقد أنه من المهم أن تعرف أين موضع قدميك اليوم وأين ستضعها غداً. 


ذكّرنى كلام ج. ك. بويس برجل عرِفته معرفة وثيقة، أو هكذا أظن. كان صاحبنا قد  فعل كل شيء وجرّب كل شيء وذاق كل شيء حتى زهد فى كل شيء. لكن زهده لم يكن نفوراً من الحياة ولا رغبة فى هجرها، بالعكس كان مُقبلاً على الحياة، مُتقبلاً تغيراتها، مُستعداً لأنوائها.  تنبّه صاحبنا إلى التحوّل الحاد الذى طرأ على حياته منذ بلوغ الأربعين. قال إنه قاس زاوية التحوّل ببوصلة ذاتية لا تصدأ إبرتُــها أبداً؛ رغبة فاترة حيال الروايات والقصص بعدما قرأ ما قرأ من الأدب وبلغات عدة فى مقابل رغبة أقوى ناحية الأعمال الفكرية والسِيَر واليوميات. حدَته رغبة قوية فى أن يرى مكانه الحقيقى، فأشارَت إبرة البوصلة إلى المستودع الخلفى من ذاته/بيته (أو بتعبير مونتانى غرفة فى ظهر الدكان arrière-boutique )، حيث يقيم مع نفسه ومع أسرته، قريباً من نفسه وبعيداً عن الآخرين، بعيداً عن تفاهة المنافسة والغيرة والنميمة مثلما فعل مونتانى، وفى ذهنه أن يكتب عن نفسه وعن حياته دفتراً جامعاً مانعاً يخلو من حبكة أو تسلسل، قوامه شذرات وذكريات واقتباسات وتأملات حول ما رأى: عن الكتب، والأصدقاء، والنساء، والأعداء. عمن خالطهم من أبالسة الإنس وأفاعيهم، عن الشر. نصحتُ صاحبنا بكتاب مونتانى الذى كتبَ عما يريد بلا مبالاة وبصراحة، كاشفاً عن ذوقه ورذائله ومزاجه وتحيزاته وملذاته. لا شكّ أن مقالات مونتانى مرايا مجلوّة لا ينالها الغبش أبداً. 


لم يخلُ كتاب مونتانى من مقالات لم تعجبنى، كمقالة «عن النوم» أو «عن معركة درو» مثلاً، التى كانت مجرد سرد لأحداث تاريخية لم يفصح فيها المؤلف عن ذاته ولو بسطرٍ واحد. كتاب المقالات عمل إنساني.. إنسانى جداً، لأنه يعاملك كصديق، لا كخصم، فيعطيك الحق فى أن تتعامل معه كما يحلو لك، وأن ترجع إليه فى الجوانب التى تثير إعجابكَ وأن تغضى الطرف عما لا يعجبك. أخذ مونتانى من قراءاته الرواقية والأبيقورية  والتاريخية ما ينفعه مثلما يأخذ القاريء من المقالات ما ينفعه ويمرّ مرور الكرام على ما لا يصادف هوى فى نفسه. ربما يكون سبب خلود كتاب مونتانى هو أنه قرأ حياته الشخصية على ضوء أباجورة سِيَر الآخرين، فحاول مسترشداً بهذا الضوء تفسير هيروغليفية الوجود. لم يُلزم الرجل نفسه بمبدأ أو بعقيدة، ففى فقرة ترى مونتانى رواقياً صرفاً، وفى فقرة تالية تراه أبيقورياً أصيلاً، وفى فقرة ثالثة تراه متشككاً جامحاً، وفى فقرة يؤكد على أهمية الإيمان. فى فقرة زاهد متنسّك وفى فقرة شهوانى متهتك. 


وربما يرجع سبب خلود مونتانى أنه قال عن نفسه ما خشى الجميع أن يقولونه عن أنفسهم، إما لعجزٍ عن الكتابة ببساطة مثله، مثلما قال فى صفحة 160 إن معظم الناس الذين يخالطهم يتكلمون بنفس الطريقة التى يتكلم بها فى كتابه، لكنه ليس واثقاً من كونهم يفكرون بالطريقة نفسها، وإما لخوفٍ من مواجهة ذواتهم، وهو الأصعب. يُخيّل إليَّ أن أهم الأشياء التى ينبغى علينا قولها هى تلك التى طالما اعتقدنا أنها غير جديرة بالقول.   


طالما وجدتُ فى كتب من أحبهم ومن لا تمرّ نصوصهم من بوابة ذوقى بقرش مِن سارقى أفكار ونصوص غيرهم عبارات مثل: اعثر على نفسك واعرف نفسك، ولكن ما أشقّها من مهمة، وعلى الأخص عند الكاتب، الذى تمسى عنده الكتابة أصعب عند غيره كما يقول توماس مان. لا يمكن لأى شخص لم يحاول أن يرسم بالكلمات صورة نفسه كما هى، أن يتصوّر صعوبة المهمة.  من جميل ما جاء فى صيد الخاطر لابن الجوزي: «اللهم أرنا الأشياء كما هي»، ربما كان المقصود بالأشياء ذواتنا المتبدلة بتبدل الأيام. 

وربما يرجع سبب خلود مونتانى إلى أنه قال عن نفسه

ما خشى الجميع أن يقولوه عن أنفسهم، إما لعجزٍ عن الكتابة ببساطة مثله


فى النهاية، وقبل أن أختم بشذرات من نصوص مونتانى، أحبُّ التنويه بأننى رأيتُ فى بعض مقالاته إعادة صوغ لمقولات ماركوس أوريليوس فى الكلام عن استعارة الحياة كمسرح وغيرها، ومن أبيقور عن أن الألم هو الشر وأن اللذة هى الحياة السعيدة وأن الحياة السعيدة هى الاكتفاء بالذات، مما يعزز فكرتى الأولى، وهى أن الحوار مع عقل هاديء متشكك هو أحد سبل توليد الأفكار، وأن مونتانى لم يكن ليكتب المقالات من دون الدخول فى حوار مع نصوص أسلافه الأكابر. لا شيء يُولد من لا شيء. 
«كى أحكم على حياة غيرى، أنظر دائماً إلى نهايتها، وأكثر ما يشغلنى فى حياتى، أن أعبرها هانئاً وبلا صخب».


«يجب أن يكون حذاؤك دائماً فى قدميك، وأن تكون على أهبة السفر، ويجب خاصة ألا تشغلك فى تلك اللحظة سوى نفسك».
«كم من الغباء أن تعذّب نفسك بسبب لحظة ستُعفى منها من العذاب، فالأشياء كلها وُلدت معك وستموت معك، وإن انتحابكَ لكونك لن تعيش مئة سنة لا يقل جنوناً على انتحابكَ لكونك لم تعش قبل مئة سنة».


«إن الطبيعة ترغمنا وتقول: اخرجوا من هذه الدنيا كما دخلتم. افسحوا المجال لغيركم مثلما فعل غيركم لكم».

«حالما نقرر العيش فى عزلة وبالتالى الاستغناء عن الآخرين، يجب أن نجعل راحتنا لا تتوقف على شخص آخر غيرنا. قيل لسقراط إن بعضهم لم يتحسَّن قط برغم سفره، فأجاب: لأنه سافر واصطحب نفسه معه.  لا يكفى أن نغير المكان، وإنما المطلوب أن نبتعد عن أنماط الوجود المؤذية، وهكذا نتبين أنه لا يكفى أن نعتزل الناس ونحمل نحمل قيودنا معنا، فهذه ليست حرية تامة لأننا لا نزال نتأمّل ما تركنا».
«أليس الدليل على نقصِنا أننا لا نرضى بشيء»؟ 


اقرأ أيضا|  من أخبار الأدب؟.. عن الترجمة