«الإبراهيمية».. الديانة المشبوهة

دعوة لدمج الإسلام والمسيحية واليهودية تصطدم بالرفض الدينى
دعوة لدمج الإسلام والمسيحية واليهودية تصطدم بالرفض الدينى

دعوة لدمج الإسلام والمسيحية واليهودية تصطدم بالرفض الديني

طبع الثلاثة أديان بغلاف واحد.. ومكان موحد يجمع الصلوات

أزهريون:دعوة سياسية تريد غطاء دينيا ولا يمكن دمج الأديان بحجة المساواة

يخدم مصالح أصحاب التوجهات ورفضه أهل الاعتدال

«إن الدعوة للإبراهيمية، هى دعوةٌ إلى مُصادرة أغلى ما يمتلكُه بنو الإنسانِ وهو: «حرية الاعتقاد» وحرية الإيمان، وحرية الاختيار».. كانت تلك بعض كلمات الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، خلال احتفالية بيت العائلة المصرية بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيسه، وأعلن رفضه التام لبعض التوجُّهات التى تدعى أنه يمكن أن يكون هناك دين واحد يسمى -بـ«الإبراهيمية»- أو الدين الإبراهيمي ويجمع الإسلام والمسيحية واليهودية في دين واحد في مزيج من المفترض أن يجتمع عليه الناس.

وكذلك أعلنت الكنيسة رفضها لهذه التوجهات التى يزعم أصحابها أن هذا الخليط بإمكانه وقف إراقة الدماء وبعض النزاعات والحروب والتخلص من الصراعات التى تنشأ نتيجة اختلاف الأديان بينما هو فى صلبه دعوة مخادعة تستغل الدين، لذا حرصت «الأخبار» على رصد أسباب رفض الأزهر لهذه التوجهات وأضرار هذه التوجهات إذا تم الأخذ بها مستقبلًا، وكذلك سرد بداية «الإبراهيمية» فى السطور التالية.

في أغسطس العام قال السفير الأمريكى فى اسرائيل «ديفيد فريدمان»: إبراهيم.. كما يعلم الكثير منكم ـ كان أبًا لجميع الديانات الثلاث العظيمة، يشار إليه باسم «أبراهام» فى العقيدة المسيحية، و«إبراهيم» فى العقيدة الإسلامية، و«أبرام» فى العقيدة اليهودية، ولا يوجد شخص يرمز إلى إمكانية الوحدة بين جميع هذه الديانات العظيمة الثلاث أفضل من إبراهيم»، كانت هذه البداية مجرد اعادة للمصطلح الذى ظهر فى القرن التاسع عشر عام 1811 فيما يعرف بالميثاق الإبراهيمي، الذى يجمع بين المؤمنين فى الغرب، وذلك قبل أن يتحوّل اسمُ إبراهيم إلى اصطلاح بحثيٍّ لدى المؤرّخين فى الخمسينيات من القرن العشرين، رسّخه «لويس ماسينيون» فى مقالة نشرها عام 1949 تحت عنوان: «الصلوات الثلاث لإبراهيم، أبِ كلِّ المؤمنين»، ثمّ تحوّلت «الديانات الإبراهيمية» إلى حقل دراسات مستقلة بنفسها.

«أيُّها الإلَهُ القَدير، يا خَالِقَنا ويا مُحِبَّ البَشَرِ وَكُلِّ ما صَنَعَتْ يَداك، نَحْنُ أبْناءَ وَبَناتِ إبراهيم المُنتَمِينَ إلى اليَهُوديَّةِ والمَسيحيَّةِ والإسْلام، مَعَ كافَةِ المُؤْمِنينَ وَجَميعِ أصْحابِ النَوايا الحَسَنَة، نَشْكُرُكَ لأنّكَ أعطَيْتَنا إبراهيم، ابنَ هذهِ الأرْضِ النَبِيلَةِ والعَزِيزَة، أبًا مُشتَرَكًا فى الإيمان» كانت تلك بداية الصلاة فى مارس 2021، أثناء زيارته إلى الشرق تحديدًا العراق، قام بابا الفاتيكان بأداء ما زعموها «صلاة أبناء إبراهيم»، مع ممثلين عن اليهود والمسلمين، قائلًا: «من هذا المكان؛ هنا بدأ الإيمان والتوحيد، أرضِ أبينا إبراهيم»، حيث تقوم فكرة الدين الإبراهيمى بحسب من يدعون له على سقوط الفوارق فى القيمة الدينية بين أنماط العبادات التى يباشرها اليهود فى معابدهم والمسيحيون فى كنيستهم، والمسلمون فى مسجدهم، وتجاوز الأمر إقامة مجمعٍ يَضُم معابدَ للأديان الثلاثةِ فى مكانٍ واحد إلى طبع القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل فى غلاف واحد.

ومن أبرز من دعوا أيضًا لوحدة الأديان المفكرُ الفرنسيُّ روچيه جارودي، الذى طرح نوعين من الوحدة أحدهما وحدة صغرى، وهى (الإبراهيمية)، ويهدف من ورائها إلى توحيد الأديان التى تُعلن انتماءَها إلى أبى الأنبياء إبراهيم وهى الإسلام والنصرانية واليهودية، والنوع الآخَر وَحدة كبرى، تشمل الجميع حتى الوثنية والملحدين أما الدعوة إلى توحيد الأديانِ الثلاثةِ وصَهرِها فى دين عالميّ جديد؛ «فقد بدأ التخطيط لهذا المشروع عام ١٩٩٠، وبدأ تنفيذه عام ٢٠٠٠، وبدأ تأسيسه داخلَ وزارة الخارجية الأمريكية عام ٢٠١٣م»،
 

الإبراهيمية الحديثة

«وقد أشار أيضا إلى الدين الإبراهيميِّ الواحدِ الرئيسُ الأمريكيُّ «باراك أوباما»؛ خلال تقرير الدين والدبلوماسية الصادر عن معهد «بروكنجر» الدوحة 2013» حيث لجأت أمريكا نيابة عن إسرائيل لتأسيس ما يسمى بالدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمى على يد وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون ويتم تنفيذ الآن هذه الرؤية ليتحول الأمر فى النهاية إلى ما يطلقون عليه «الدين الإبراهيمى الجديد» وهى البوتقة التى ينوى أصحاب هذا التوجه صهر الديانات السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام فى خليط ومزيج يصنعون منه ديانة مشتركة يتم فرضها على نطاق إسرائيل الكبرى الذى أطلقوا عليه: «مسار إبراهيم» يعنون به مسار سيدنا إبراهيم ما بين تركيا والعراق وفلسطين ومصر وصولا إلى مكة والبيت الحرام.. وبتأسيس الدبلوماسية الروحية التى بدأت فى الإدارة الأمريكية رسميا عام 2013 على يد هيلارى كلينتون تم انشاء إدارة خاصة بفريق خاص يضم 100عضو نصفهم رجال دين من الديانات الثلاث يعملون جنبا إلى جنب مع الدبلوماسيين فى الوزارة، ولم تمت الدبلوماسية الروحية بذهاب أوباما ووزيرة خارجيته التى تبنتها، بل استمرت فى إدارة ترامب والذى قال بومبيو وزير خارجيته فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة يوم 19 يناير 2019 «إننا جميعا أبناء إبراهيم.
 

رفض قاطع

أما عن أسباب الرفض من قبل الأزهر والكنيسة المصرية لدعوات تطبيق هذا الدين الجديد، فقال د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، خلال كلمته بمناسبة احتفالية بيت العائلة المصرية بمرور 10 سنوات على تأسيسه، أن الدعوة للديانة الإبراهيمية مِثلُها مثل دعوى العولمة ونهاية التاريخ، و«الأخلاق العالمية» وغيرها - وإن كانت تبدو فى ظاهر أمرها كأنها دعوة إلى الاجتماع الإنسانى وتوحيده والقضاء على أسباب نزاعاته وصراعاته، إلَّا أنها هى نفسَها، دعوةٌ إلى مصادرة «حرية الاعتقاد» وحرية الإيمان، وحرية الاختيار، وكلُّ ذلك مِمَّا ضمنته الأديان، وأكَّدته فى نصوص صريحة واضحة، ثم هى دعوةٌ فيها من أضغاث الأحلام أضعافَ أضعافِ ما فيها من الإدراك الصحيح لحقائق الأمور وطبائعها، أما الكنيسة فقد أعلن القمص بنيامين المحرقي، الأستاذ بالكلية الإكليريكية بالأنبا رويس، رفضه الدعوة إلى الديانة الإبراهيمية، لأنها دعوة مسيسة تحت مظهر مخادع واستغلال الدين، مشيرًا نه لا أحد يقبل مزج جميع الديانات تحت ديانة واحدة، ولن تقبله أى من الديانات خاصة المسيحية أو الإسلام، لأن معناها العودة إلى اليهودية، وقد تحدث فرقة داخل المجتمع، مشيرًا إلى أن محاولة فرض ثقافة أو ديانة معينة على الجميع، يرفضها المصريين بصورة مطلقة.. فى هذا الصدد، يقول د. عبد المنعم فؤاد، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إنه لا يوجد دين يسمى «الدين الإبراهيمي»، فلا يوجد رسل جاءوا بعد النبى محمد لينشروا دينا جديدا، لكن هناك محاولات لنشر مفهوم مغلوط وراءه أغراض مسيسة

ويصف فؤاد «الدين الإبراهيمي»، بأنه دعوة سياسية تريد غطاء دينيا يحميها ويعطيها شرعية، وتهدف إلى مزج الأديان بعضها ببعض لينشأ دين جديد، وهى محاولة فاشلة لأن كل دين له خصوصياته وشرائعه واتباعه، ولا يمكن دمج الأديان بحجة المساواة ومنع التقاتل والخلافات. ويؤكد فى حديثه لـ» الأخبار»، أن الإسلام دين له شرائعه ولا يمكن أن يمتزج مع دين آخر، كذلك المسيحية واليهودية، والدعوة لدمجهم بمثابة كلمة حق يراد بها باطل. ويشير إلى أن تعليق الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، على هذه الدعوات، بمثابة جرس إنذار للعالم، وتبين خطورة مصادرة حرية الاعتقاد، لأن الله لو أراد أن يوحد الدنيا فى دين واحد لفعل، ولكن هناك اختلافات بين البشر وستظل كذلك.

تناسى الخصوصيات

بينما أكد د. بكر زكي، أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر، على أن الدولة والأزهر الشريف بذلوا جهدا كبيرا لمواجهة مثل هذه الدعوات القوية التى ظهرت على الساحة منذ ما يقرب من ٥ سنوات ولعبت بعض الرموز الصهيونية دورها من أجل تدشينه، مشيرا إلى أن الجمع بين الرسالات السماوية يأتى لتناسى الخصوصيات وكذلك جمع الأديان فى كتاب واحد تجمع نصوصه بين أتباع أصحاب الأهواء والتوجهات تخدم مصالح هؤلاء فقط وان هذا بالطبع رفض من قبل أهل الاعتدال والاتزان.