فرفش كده | الكلام ليك يا بابا

الكلام ليك يا بابا
الكلام ليك يا بابا

ربما تحسدنى أوتحقد علىّ، وإن كنت حبيبًا ستنتابك غبطة لأنك لم تجرب لحظة سعادة مثلى، حين منحتنى زوجتى خصامًا مفتوحًا مريحًا من الأسئلة النمطية وضرورة قطع توهانى اللذيذ لأبدى رأيى فى الألوان وصنوف الطعام وآخر أبحاثها فى معمل أصناف الحلو المنتقاه بعناية من اليوتيوب ومن فرط سعادتى بهذا الخصام به نسيت سببه!


فى اليوم الأول كان الخصام على أشده، لا كلام ولا سلام ولا حتى إشارة إلا من خلال رسول من أطفالنا، فكانت تمسك بكتف أصغر الأبناء وتقول: ماتنساش يا حمدى النهاردة 30 فى الشهر يعنى بكرة معاد دفع الإيجار وأقساط الجمعية والمتأخر من فواتير المياه والكهرباء وفلوس الدروس وكمان العيش الفينو خلص! فيبتسم حمدى ثم ينظر إلىّ بابتسامة ملفوفة بخبث يناسب سِنه بما معناه: الكلام ليك يا بابا. وأكتفى أنا بتكشيرة تناسب هذه المزعجات تجلس على جبينى. 


مر يومان على الخصام الممتع دون أن يشوبه أى منغصات لمبادرات صلح، وفى اليوم الثالث استيقظت بدون المنبه الذى اختصت به نفسها فى حجرة النوم، ولم تسعفنى ساعة الصالة المغمى عليها منذ زمن بعيد. 


وبنصف عين مفتوحة تحسست برجلى فردة شبشب وفشلت فى العثور على الثانية، ووقفت أمام مرآة الحمام وغسلت وجهى من أحلام المساء برمز لصابونة سابقة ولا الحوجة لسؤالها عن مكان الصابونة الجديدة. 


وارتضيت بقطعتى جورب من لونين متقاربين ولكنى اكتشفت أن كلاهما شمال! وتحملت رحله التيه فى البحث عن علبة السكر والشاى، وقبلهما عناء البحث عن عود ثقاب لإشعال بوتاجاز أجهل وظائف مفاتيحه الأساسيه، وقلّبت الشاى بملعقة الرز، وحين ارتشفت منه اكتشف أنه مالح جدا!


لم أظهر حسرتى مطلقا، وكان الصوت يعلو بداخلي: لا تراجع ولا استسلام. ثم كانت رحلة البحث عن متعلقاتى، فوجدتها الا الموبايل-الذى كنت اكتشف مكان توهانه برنه من تليفونها- فلجأت لهاتف ابنى الأكبر ولكنه خذلنى برسالة صوتية: عفوا لا يوجد رصيد كاف لإجراء المكالمة!

فلمحت لحظتها نظرة شماتة منها فضحتها ستارة المطبخ الشفافة. 


وفى اليوم الرابع لخصامنا زارتنا حماتى -التى أحبها كثيرا - فبدت زوجتى لطيفة، طيبة، مطيعة، وكأنه لم يكن بيننا خصام! وكانت تشركنى فى الحوار وسط كومة من الضحك وفوارغ أكواب العصير وقشر التسالي؛ وبعد أن غادرتنا حماتى قالت لى زوجتي: صالحتك علشان خاطر ماما بس.

فابتسمت وأبديت سعادة زائفة فى انتظار لحظة فرح حقيقية حتما ستتكرر بخصام جديد.