نهال مجدي تكتب: المظلومية بين الحقيقة والادعاءات

نهال مجدي
نهال مجدي

على مدار عشرات السنوات، وبالتحديد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945، استطاع الفكر الصهيوني تحميل الضمير العالمي تبعات ما فعله النظام النازي في المانيا تحت قيادة أدولف هتلر من محارق لليهود.

وعلى الرغم من أن الكيان الصهيوني ابتز المانيا اقتصاديا واجبرها على دفع مليارات الدولارات كتعويضات عن تلك الجريمة المعروفة عالمياً باسم "الهولوكوست"، إلا انه لم يقف عند هذا الحد واستكمل انتقامه بالابتزاز الأخلاقي والإنساني ليس فقط لألمانيا أو حتى أوروبا، بل العالم كله الي الحد الذي أصبح مع من يتجرأ على انتقاد سياسات إسرائيل أو الدفاع عن الحق الفلسطيني، يرجم أمام العالم بوابل من الاتهامات بمعاداة السامية قد تؤثر على حياته المهنية على أقل تقدير او تنهيها تماما. وحتى أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تعداها لدرجة أن معاداة السامية أو مجرد إنكار "الهولوكوست" أصبح جريمة فعلية يعاقب عليها بالحبس في بعد البلدان الأوروبية التي تدعم حرية الرأي والتعبير.

ويقفز الي ذهني مثالين بارزين لهذا الابتزاز الأخلاقي الصهيوني، أولهما للفنان العالمي ميل جيبسون الذي ما إن ظهر فيلمه "ألام المسيح" الذي يمكن ان تلمح فيه من بعيد احتمال إتهام اليهود بصلب السيد المسيح عليه السلام وقتله (من وجهة نظر الإيمان الكاثوليكي)، إلا وهاج المجتمع اليهودي بالولايات المتحدة وحول العالم واتهموه بمعاداة السامية وهي التهمة التي قضت على مسيرته الفنية كممثل ومخرج ومنتج  وأصبح من المغضوب عليهم في هوليوود، ولتم يشفع له فوزه بجائزة الأوسكار عن فيلم القلب الشجاع.

المثال الثاني، وإن كان أقل تأثيرا، هو الهجوم السياسي الضاري على الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بعد أن طالب مرات عديدة بدخول المساعدات ووضع إسرائيل امام مسئولياتها وأمام حقيقة أقرها العديد من قادة دول العالم وهي أن إسرائيل في حربها الوحشية ضد العزل من أهالي قطاع غزة قد تعدت حدود "الدفاع عن النفس والـــ “رد المتناسب" على ما حدث في 7 أكتوبر الماضي. ولكن لحسن حظ جوتيريش كانت هناك موجه من الانتقادات لإسرائيل أدت للتعاطف العالمي مع جوتيريش بعدما طالبه المندوب الدائم لإسرائيل في مجلس الأمن بأنه لا يصلح لهذا المنصب وبمعاداة السامية بل وتطاول لحد مطالبته بالاستقالة. 

والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح الأن، بعد استشهاد ما يقرب من 36 ألف (الرقم المعلن عنه رسميا الي الآن) أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ المدنيين، وما يقرب من 140 صحفي والآف الحالات الصارخة لانتهاك حقوق الإنسان، لماذا لا نفرض تلك المشاهد على الضمير العالمي؟ لماذا السردية العربية بهذا الضعف والتخاذل أمام السردية الصهيونية؟ ماذا نحتاج لإعادة الصورة الي طبيعتها ليري العالم الجاني جانياً والمظلوم المعتدي على أرضه وحياته ضحية؟

لقد وصلت الجرأة التي لامست حدود الصفاقة والوقاحة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (المتهم  في ثلاث قضايا فساد) لانتقاد موجة الاعتصامات التي تجتاح الجامعات الأمريكية دعماً للحق الفلسطيني ووصفها بمعاداة السامية  وانها تعرض اليهود من الطلبة والأساتذة فيها للخطر..وزادت وقاحته بتصوير هؤلاء المعتصمين دعاة لتخريب المجتمع الأمريكي وليسوا معارضين للإجرام الصهيوني وجرائم الإبادة العرقية التي يحول القيام بها..ومن المضحك حد البكاء أن كثير من المعتصمين بتلك الجامعات هم يهود الديانة يقفون جنبا الي جنب مع معتصمين من أصول عربية ومسلمين ومسيحيين لنفس الهدف والغاية وهو دعم غزة التي دمرت عن أخرها تقريباً.

الى متي تبقي الساحة العالمية مفتوحة لراوي واحد وسردية واحدة تحيل الظالم مظلوماً والقتيل مجرماً؟
تكمن المشكلة الحقيقية في السردية الفلسطينية أولا فى أنها تحولت من مسألة إنسانية وقضية شعب سرق منه وطنه وتعرض للتنكيل بأبشع الطرق، قتل اطفاله ونساؤه وسلبت أرضه وطرد منها، الي قضية دينية فحسب، فجأة بدأت وكأنها حصرت في خانة الدين وبيت المقدس وحتي تناسوا بيت لحم وكنيسة القيامة، بينما اليهود وسعوا نطاق المظلومية من الاضطهاد الديني لاضطهاد عرقي وإنساني.

ثانيا التوثيق والالحاح، فالفكر الصهيوني لا يدع العالم ينسي شعوره بالذنب لما اقترفه من إثم تجاه اليهود وحتي ان هناك عدداً من المتاحف للهولوكوست والعديد من الأفلام التسجيلية والدرامية والكتب التي تروي تلك المأساة..أين التوثيق للجرائم الإسرائيلية منذ 1948 وحتى الأن؟ اين الالحاح بروايتنا امام العالم ليقتنع مع من يقع الحق وليفرق بين الضحية والجلاد؟ العالم بحاجة ماسة لان يدرك أن الفكر الصهيوني يزيد وبمراحل عن بشاعة الفكر النازي..ولكنها قضية تحتاج من يستطيع الدفاع عنها بالسرد