صباح ومسا

ما تيجى نرقص على السلم

نادر عيسى
نادر عيسى

يعيشان معاً.. كهل بدأ يشعر بأثر الزمان والأيام التى مرت دون أن يشعر بها.. وطفل يريد أن يزيد العالم عبثاً ولعباً وشخبطة على حوائط الأوقات.. الأول يستفزه «العيال بتوع التيك توك» فيذكره الآخر أنه منذ سنوات كان واحدا من «العيال بتوع النت والسايبر»، ينظر باستغراب واندهاش للبنطلونات الممزقة والسكينى الضيقة من الخصر حتى العرقوب، تظهر نحافة مبالغا فيها لمراهقى هذه الأيام، فيضرب الآخر كفاً بكف، ويعرض له صوراً قديمة له وهو يتباهى بـ«تسقيط» البنطلون الـ«باجي» ويبحث أكثر فيخرج بصورة للشارلستون، حوار بينهما إن بدأ لا ينتهي، انظر لتشريحات الشعر المقيتة التى تشبه عُرف الديك، فيرد الآخر: الله يرحم لما كنت بتجيب شعرك كله لقدام بالـ«جيل» وتعمله مسند من قدام ومسميها فيرساتشي، يضحك ويشير له بأصبعه ويتهكم:»يا بنى انت متتكلمش، انت كنت بترقص على ماكارينا».
هذا أنت أو أنا.. كلنا.. سؤال الساعة:»آخر 10 سنين.. كنت بعمل إيه؟ والله ما فاكر»، تبدأ محاولات خطيرة للإفاقة من الغيبوبة الزمنية التى سقطت فيها، تتشبث بأى ذكرى أو إنجاز تحقق فتجد سلسلة لطيفة من المحاولات التى لم تكتمل، تستنجد بصور قديمة لتكريم أو لرحلة أو حتى المشاركة فى مسابقة لشد الحبل، تشعر كأنك فقدت الذاكرة، تصرخ من أعماقك :»أيوه أنا هنا.. أنا كنت هنا».
تتذكر أول أيامك وانت تبحث عن عمل وسط إعلانات التوظيف فى الجرائد، قبل اختراع بوستات الفيسبوك، فتجد كل الشركات تطلب 5 سنوات خبرة على الأقل، أما الآن فى زمان السوشيال كل أصحاب الأعمال يريدون حديثى التخرج، تهمهم فى غيظ:»ده انتوا قاصدينى أنا بأه». تجد إعلانا لحفل مطربك المفضل فتتذكر تلك الأيام عندما كنت تقف طوال الحفل على قدميك لخمس ساعات ترقص وتصرخ وتغنى مع المطرب، يراودك شعور بالعودة للشقاوة القديمة مرة أخرى، تقف فى طابور من أجل تذكرة، فتجد نداء من خلفك :» ممكن يا عمو تذكرتين معاك». بركان الغضب ينفجر فى عقلك :»عمو.. طب والله م أنا رايح». رحلة الشرود فى تفاصيل الأيام الماضية وما فى يدك لتفعله أيامك القادمة تأخذك إلى عوالم الأحلام، لكنك تستفيق على صوت سيارة تمر مسرعة بجوارك، وانت تنظر إلى قائمة الطلبات التى يجب أن تشتريها من الهايبر فى رحلتك بين العمل والمنزل.. أشوف وشك على خير وانت مش مصدق إنك طالع معاش.