كتب الأطفال تُّحتضر.. والمواهب الصغيرة تُغتال فى مهدها

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

» النماذج المقدَّمة للطفل لا تتناسب مع العصر الذى يعيشه.. والكتاب أصبح «موديل قديم»

» الأدباء والتربويون: لابد من تشجيع مسابقات القراءة فى المدارس والجامعات على مستوى الجمهورية


حين ترى الجو هادئا فى منزلك من الأطفال، فأبحث عن الأجهزة اللوحية، ستكون بين يد الصغار، ولو تركتهم طوال الليل والنهار لن يملوا منها، فقد أصبحت الأقرب لهم من أى أحد ومن أى شيء على اختلاف أعمارهم، ابتعد الجميع عن الكتاب سواء الكتب المدرسية التى ينظرون إليها خوفاً من الرسوب، أو الكتب العامة والتى لم تصبح جاذبة للأطفال نظراً لارتفاع تكلفة الطباعة، وللتعرف على أسباب هذه المشكلة وكيفية التعامل معها أجرينا هذا التحقيق..

اقرأ أيضا| تشابك وزاري.. «رخصة بناء المصنع» حائرة بين المحليات والإسكان والصناعة 

بداية تؤكد الشاعرة الدكتورة زينب أبو سِنّة الأستاذ السابق بالجامعة الملكية بلندن أن الكتاب خاصة كتب وزارة التربية والتعليم غير جاذبة وإخراجها رديء، بالرغم من أن كتاب الطفل يعتمد أساسًا على الصور الملونة والقصص الجاذبة، وهو ما لم يتوفر حتى الآن في الكتاب المدرسي، كما لا توجد مقارنة بين الكتاب والبلاي ستيشن وغيرهما من الألعاب الإلكترونية؛ لأنها ليست سُبَّة، فما المانع أن يقوم الطالب بواجباته، ثم تكون مثل هذه الأشياء للترفيه عنه؛ حتى يستطيع استكمال حياته الدراسية، بالإضافة إلى أن طفل اليوم غير طفل الأمس، فالطفل الآن لديه أشياء مغايرة، وكل طفل له زمنه، ولن نطبِّق ما طُبِّق علينا على الطفل، فمثلاً اللهجة الآمرة للطفل أصبحت غير مقبولة الآن؛ لأنه لديه رؤية ووجهة نظر.

 

وأضافت دكتور زينب أن الكتاب لا يفيد الطفل، ومكتوب بلغة غير جاذبة، وحتى كتب المدرسة في مُجملها غير جاذبة، وعفى عليها الزمن، فالنماذج المقدَّمة للطفل الآن لا تتناسب مع العصر الذى يعيشه؛ لأن طفل اليوم يعتبر الكبار «موديل قديم»، وهو ما يتطلب من القائمين على تأليف الكتب المدرسية أن يكونوا أكثر حداثة، وعلى وزير التربية والتعليم أن يدعم شباب المعلمين ويسمح لهم بوضع المناهج الدراسية للطلاب التي تتسق مع العصر، وكذلك مع الفترة العمرية التي يعيشها، فهم أولى بذلك؛ لأنهم أقرب جيلًا لهم،  لذلك آمل أن تتحقق طفرة عظيمة في مجال التعليم كي تتبوأ مصر المكانة التي تليق باسمها وتاريخها كدولة رائدة نهل من علومها وتقدمها المعاصرون.

 

ويؤكد الناقد الدكتور حسام عقل أن الطفل يحتاج دوماً إلى واقع الترفيه، الذي يلتزم مرحلته السنية، كما أن هنالك محتويات لبعض الألعاب، تنطوي على محتوى شديد السمية، مؤثرة في ولاءات الطفل وقناعاته.. على نحو ما حدث في لعبة ( بابجي) قبل أشهر، من تصوير عابد لصنم ينحني أمام الصنم، فيمنحه الصنم بعض الأسلحة، لتتم مخاطرته ومغامرته، وقد تقدمت بعض الجهات الإسلامية والعربية، بشكاوى، تعبر عن نقمة العالم الإسلامي من المحتوى الوثني للعبة، واستجابت الشركة المنتجة، فمحت فقرة الصنم ! وهو ما يحيلنا إلى سياسة تربوية رشيدة، تطبقها فرنسا منذ عام 953، بعرض المحتوى الدرامي ومحتوى الألعاب الجديدة على لجنة خبراء تتضمن تربويين، قبل تمام ضخها في السوق، مطالباً أن نحذو حذوها في هذا الخصوص، لتضمن الصحة النفسية والذهنية لأبنائنا. ويقول الدكتور أسامة البحيرى أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب جامعة طنطا، ورئيس اتحاد كتاب مصر فرع الغربية إنه من شب على شيء شاب عليه «وهذا القول المأثور يلخص القضية فلم يعد للكتاب أهمية في معظم الأسر أو المدارس ولم تعد للمكتبات المدرسية قيمة، بل لم تعد المدرسة نفسها جاذبة للطلاب، وانتشرت الألعاب الإلكتروتية انتشاراً كبيراً، وأصبح الإنترنت متاحاً ورخيصاً، والألعاب جذابة ومثيرة، وفي المقابل أصبحت الكتب غالية وغير متاحة، وتخلت وزارة التربية والتعليم عن تزويد المكتبات المدرسية بالكتب الجديدة، واختفت مهرجانات القراءة ومسابقات القراءة، ولذلك فقدت القراءة بريقها وجاذبيتها وجدواها لدى الأطفال والقراء عموماً، مؤكداً أن الحل يبدأ بدعم صناعة النشر بعودة مهرجانات القراءة للجميع، وشراء الوزارات والمؤسسات والمكتبات المدرسية والحكومية لقوائم الكتب في دور النشر  سواء الخاصة أو العامة، وتشجيع مسابقات القراءة في المدارس والجامعات على مستوى الجمهورية، ورصد جوائز مالية قيمة لأكثر الطلاب قراءةً واطلاعاً، وإعادة مهرجانات القراءة لزيادة الوعي المعرفي بالمسابقات والجوائز. وحول معارض الكتب المنتشرة فى جميع ربوع مصر.

 

أشار البحيرى إلى أن معارض الكتب بشكل عام قليلة وتعتمد على المبيعات الفردية وتغيب دائما المشتريات الحكومية في المدارس والجامعات والمكتبات العامة، ولا يمكن تحقيق أرباح لدور النشر في ظل هذا الركود الذي لا يغطي مصاريف الاشتراك في المعارض المحلية أو الدولية. وحول الأسباب المحورية لإعراض الأطفال والشباب عن شراء الكتب كوسيلة للتسلية والتثقيف والترفيه ، تقول الشاعرة عبير زكي: الامتاع البصري التفاعلي الموجود  في الألعاب الإلكترونية والتي أصبحت متاحة طوال الوقت على هاتفه الشخصي الذكي الذي لا يمكن أن يوفره الكتاب المقروء، وهو ما تسبب فى انهيار مبيعات الكتاب التقليدى، إلا أن ألعاب الفيديو تتسبب في ضررين بالغين رئيسيين  للناشئين من الأطفال، فقدان مهارة القراءة ثم الكتابة ويتبعهما بالضرورة فقدان القدرة على التعبير، وفقدان القدرة على التخيل والذي يتبعه بالضرورة فقدان القدرة على الإبداع، وغيرها الكثير من الأمراض،مثل فقدان البصر وإتلاف شبكية العين، العصبية الزائدة والعنف، الأثرة والشره، التوحد، وفقدان الصلة بالآخرين والانغماس في عالم افتراضي لا وجود له في واقع الطفل، هذه الأمراض التي ظهرت على نطاق محدود في بداية ظهور الألعاب الإلكترونية كونها كانت حبيسة أجهزة مستقلة كالكمبيوتر، أصبحت الآن أوسع انتشاراً لتوافرها على هاتف الطفل الذكي، والتطور السريع في هذا المجال والذي يزيد معه الإمتاع البصري التفاعلي الناتج عن وجود لوحات مبهجة وألوان زاهية ورسوم جميلة وكائنات ذكية (ذكاء اصطناعي تفاعلي)  تتحرك معك وكأنها حقيقية وهي في الألعاب الأحدث قادرة على التواصل معك نفسيا والأخطر وجود ألعاب تستطيع أنت التغيير فيها.  وأضافت زكى أنه لا بديل لفصل الكتاب عن الألعاب الإلكترونية وفصل التعلم عن اللهو إذ علينا أن نعترف أن لكل منها هدف مختلف فالتعلم والقراءة هدفهما بناء الشخصية ونقل مجموعة الخبرات الإنسانية بينما اللعب واللهو هما إمتاع في النهاية، ولكى نحتفظ لأطفالنا يجب أن نعود بالكتاب إلى سابق عهده من الرواج لنحقق ذلك، عن طريق مشروع قومي  حقيقى للقراءة تتبناه الأسر والدولة.