معان ثورية

الحب اسمه أمى

محمد الحداد
محمد الحداد

محمد الحداد

كانت السيدة الماهرة الدؤوبة الشاطرة «أمي» من اكثر الناس ذكاء حيث استطاعت بدهائها وفطنتها وحكمتها وذكائها أن تغرس فينا أسس وقواعد الحياة والالتزام ببساطة شديدة .. فأتت بشجيرات صغيرة بعددنا أنا واشقائى الخمسة ... وكانت توقظنا فجرا كل يوم وتمسك بإبريق الماء وتحته صينية لنتوضأ .. ثم يذهب كل واحد منا ليسقى شجرته بماء وضوئه فى الفجر.. اقنعتنا أمى أن ماء الوضوء يحمل الحسنات ويروى الشجرة فتورق وتخضر او يحمل السيئات فتذبل وتصفر وبهذا كنت كل يوم ادعو  الله ان يغفر لى اخطائى والا تصفر أوراق شجرتى فتفضحنى الشجرة فتعرف امى بأخطائى وخطاياى لانها لن تسامح ولن اتحمل زعلها وعدم رضاها .. اما الله سبحانه وتعالى  فسوف يسامح .. وكان اول شيء نفعله حين العودة من المدرسة هو الجرى لمشاهدة اوراق الشجرة لنرى ستر الله على اخطائنا .. وإذا صادف واصفرت أوراق أى شجرة كانت أمى تحاسبنا حساب الملكين حتى نتوب ونتعهد بعدم ارتكاب الاخطاء .. وبهذا ضمنت أمى أننا لن نخفى عنها أى شىء وظل ازدهار الاشجار الصغيرة هو معيار  استقامتنا.
والغريب اننا كنا نؤمن بكل اليقين ان طريقة « أمى « وقربها من الله العلى القدير هو سر معرفتها بكل أسرارنا وكانت شجرة الياسمين من نصيب اختنا الكبيرة فاطمة الزهراء البنت الوحيدة فى الأسرة.. كانت أمى لها فراسة غريبة حيث تنظر فى عين أى من ابنائها فتعرف اسراره ليقف امامها بكل هدوء وسكينة وحب وحياء فيعترف بأخطائه أو يقف بكل فخر فيحكى بطولاته وإنجازاته فتأخذه من يده لتريه شجرته المورقة المزدهرة.. والأغرب أن طريقتها تلك كانت حقيقة وكأنها كانت تعرف إنها لن تعيش لنا طويلا فتعلمنا وآمنا وصدقنا طريقتها.. رحلت أمى وأنا فى السابعة عشرة من عمرى وكان عمرها الثالثة والاربعين واصبحت انا الآن اكبر منها. 
مازال طعم خبزها وطبطبتها وحبها وحنانها هو اطيب وافضل واحلى شيء فى الوجود رغم مرور السنين  حيث كانت رعايتها وحسمها وحزمها وقوتها وارادتها وحكمتها  نورا نهتدى به. 
رحمة الله عليك يا أمى يا أحب وأعز وأغلى وأقرب الناس لقلبى.