مدارات

الطعنات الطائشة !

رجائي عطية
رجائي عطية

 فى تعقيب له على الحملة التى شنت على روايته : " وليمة لأعشاب البحر " ـ بعد أكثر من 15 سنة من نشرها، وبعد سنوات لا أذكرها من دخولها مصر ـ قال الروائى السورى تعقيبًا على هذه الأزمة : " لقد منحتنى شهرة لم أسع إليها " !!   وأحسب أن هذه المقولة ـ الصادقة ! ـ تنطبق بحذافيرها بل أكثر انطباقًا على سلمان رشدى المحسوب على الروائيين بروايته : " آيات شيطانية " ..  وتنطبق على أفلام صاحبت إطلاقها دعاية لإثارة الاحتقان ليرتد نفعًا وترويجًا وتسويقًا للفيلم المتواضع الذى كان سيذهب بالتأكيد إلى زوايا النسيان لولا الاحتقان والهيجان وسيل التغطيات الصحفية والفضائية التى تتابع التشنجات وتراها مادة خصبة لترويج الصحيفة أو المحطة التليفزيونية الفضائية أو الأرضية، ولا بأس أيضًا من الترويج لمقدم البرنامج أومحرر الصحيفة، بينما يطير الروائى أو المصنف الفيلمى إلى العالم فى دعاية مجانية واسعة غير مدفوعة الثمن، تلفت الأنظار إلى الكاتب أو المؤلف أو المخرج أو الممثل، مثلما تستدعى الجمهور إلى منافذ بيع الرواية أوإلى دور عرض الفيلم السينمائى، وينال العمل وصاحبه شهرة لا يستحقها، لعل أكبر أمثلتها فى السنوات الأخيرة الآيات الشيطانيـة للمدعـو سلمـان رشدى !

  كان من مفارقات أمثولة : سلمان رشدى ، أن يُمنح  لقب فارس الذى أسبغته عليه ملكة بريطانيا التى كانت عظمى  ومرت بإمبراطوريتها سنوات طويلة لم تكن تغرب عنها الشمس .. يومها دعوت المسلمين، ودعوت نفسى، إلى تجاهل هذا التكريم واللقب ومانحته والممنوح له، فلا المانحة فارسة، ولا الممنوح له فارس، ولا ينتمى إلى شجرة وسجايا الفروسية التى تضم الشجاعة والبسالة والمروءة والصدق والشهامة ..

 وقد صدق حدسى، مر الحدث بلا تعقيب أو بلا تعقيب كبير، ودخل الوسام واللقب فـى مزبلة التاريخ، ولم يعد أحد يذكر الفارس ولا عمله الردىء الذى عرف رداءته من اطلع عليه واكتشف ما فيه من خلط وتخليط بين الخيال الروائى وهو مباح، وبين حقائق التاريخ التى لا يجوز تحريفها أو الكـذب فيها !

 أردت أن أقول إن مثل هذه الطعنات الطائشة، تأتى بعكس المقصود بها، ولا تنفع من حيث تصور الطاعن أنه يصيب .. مثل هذا بدأ يشيع فى تعقب كثير من الأعمال والقرارات والمصنفات ـ ترفع بشأنها دعاوى ممن لا صفة لهم، فيكون مآلها اليقينى عدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة، وتطلب طلبات لا يجوز طلبها كسحب الجنسية التى لا يملك القضاء نفسه سلطانا عليها لأنها من أعمال السيادة التى لا تخضع لرقابة سلطة القضاء، وإذا ما تأملنا حصاد الدعاوى التى رفعت بغير صفة أوبغــير مبنـى، سنرى أن الحصاد " صفر" بالثُلُث وبكل الخطوط العربية واللاتينية وبكل لغات وأرقام الأرض !   على أن "الصفر " لا يقتصر مداه على خلو الوفاض والبوء بالخسران، لأنه فيما يعرفه العارفون يحصن العمل أو التصرف أوالقرار بما يُسمى عدم جواز نظر الدعوى مستقبلا لسابقة الفصل فيها، فيغلق الباب على أى دعوى فى المستقبل ولوكان مبناها صحيحًا، ثم هوفضلا عن التحصين يروج للعمل وصاحبه ولموضوع القرار ترويجًا  مجانيًّا يلاحق الناس فى بيوتهم على موجات الأثير أو شاشات التليفزيون، وفى قراءاتهم للصحف والمجلات والدوريات !

 قد يتساءل حسنوالنية، لماذا لا يتعظ أصحاب هذه المبادرات الخائبة، والجواب واضح وبسيط هو غياب العقل .. فلوحَضَر العقل لأدرك المحتقنون الغيورون أن الاحتقان سيأتى بنقيض غايته، وأن طعناته ستطيش عن هدفها وغايتها، وسترتد لنفع من أثار ـ بسوء صنيعه ـ الغيرة والاحتقان !

  ولوكان العقل حاضرا ـ بدلاً من عرض النفس وإبداء الشطارة  والغيرة المصطنعة، لأدرك رافعو الدعاوى بلا صفة أن تراكم هذه الإخفاقات لما يرفعونه من قضايا طائشة، سيرتد بالسوء عليهم وعلى سمعتهم  ونظرة الناس إليهم، وأنهم لن يغنموا شيئًا، ولن يلاقوا إلاّ حصاد الهشيم، والاستخفاف بهم وبأعمالهم، وضياع ما ينبغى أن يتوافر لممارس المهنة من مكانة وصدق واحترام ووقار !  لا تملك حين تراقب مثل هذه المشاهد، إلاّ أن تتحسر على غيبة العقل، وتذكر المثل السائر من سنين دون أن يتعظ به أحد : " رزق الهبل على المجانين " !!!