عودة «حمام الملاطيلى».. التطور الرقمي لممارسة الأعمال المنافية للآداب

صورة موضوعية
صورة موضوعية

إعلانات «مراكز المساج» بالفيس بوك تغازل الشباب بجلسات الدلع و«المزاج»

لواء مجدى كامل: ستار للأعمال المنافية للآداب واستقطاب الفتيات وترويج المخدرات
الرشيدى: الأسرة الافتراضية شريكة فى الجريمة.. ولا بد من محو الأمية الرقمية
شقق مفروشة دون ترخيص.. نساء من كل الجنسيات.. والرقابة منتهى «الريلاكس»!


خالد عثمان- على فتحى


تفتح هاتفك وتستعد لمطالعة أحدث الأخبار و«بوستات» الأهل والأصدقاء، وتتجول داخل صفحات الفيسبوك والإنستجرام، فيباغتوك كفتيات الهوى على الأرصفة وفى الأزقة بإعلانات مهمة ناعمة مكثفة تدعوك لزيارتهم فى بيوت سرية ظاهرها «مراكز المساج» تدعوك لتجديد نشاطك و«تظبيط» مزاجك وبالطبع لم يفوتهم استثمار «كورونا» باعتباره باب رزق للجميع، فلما لا يستغلون الأمر باعتبار «التدليك» هو بوابة الحماية ورفع المناعة ضد الفيروس!.. ولا عزاء للمغفلين وعن الحرام والحلال لا تسل.

المشهد الشاذ الذى دفع «الأخبار المسائى» لرصده بالضبط يشبه ما قدمته السينما فى أفلام تفضح ما يحدث داخل بعض الحمامات الشعبية وشوارع المتعة من انحرافات أخلاقية.. أشهر هذه الأفلام «حمام الملاطيلى» إخراج الراحل صلاح أبوسيف وبطولة شمس البارودى ويوسف شعبان وتم تصويره وإنتاجه عام 1973، وتناول بدقة أجواء العالم السرى للمتعة الرخيصة، ما دفع مقص الرقيب لمحاولة تخفيف جرعة الواقع المشين، وحين لم يفلح تم منعه من العرض لسنوات طويلة.. الفيلم تبعته أفلام مثل «درب الهوى» و«خمسة باب» و«شوارع من نار» تفضح ما خلف أزقة العهر وتعرضت لنفس مصير «حمام الملاطيلى».

الأمر لا يختلف كثيراً الآن عبر شاشات الهواتف مع اختلاف المشهد فكأنك تسير للخلف ويعود بك الزمن إلى أجواء أربعينيات القرن العشرين.. حين كان «البغاء» مهنة وله بيوت مرخصة، وفتيات ليل من كل لون وجنس يتمتعن بالحماية من فتوات هذا العصر ومن القانون و«البوليس» أيضاً.. وبالضبط مثلما كان يحدث فى الماضى بأسواق المتعة واللحم الرخيص فى شوارع معروفة فى «المحروسة» آنذاك مثل «كلوت بك» و«عماد الدين» و«درب الهوى» و «درب طياب» من أوكار ترفع «الرايات الحمر» وتستقبل الباحثين عن اللذة الحرام وتنادى على بضاعتها، وتوصف محاسنها، وتستعرض مفاتنها في أجواء ساحرة وأضواء خافتة وغرف خاصة يفوح منها عطر النشوة وعرق الرذيلة وتصدح خلف جدرانها ضحكات المجون، ولكن منذ متى والشياطين تعتزل الرذيلة أو يوقفها عقاب ويردعها قانون؟ تلك المافيا التى رأس مالها «تجار الدقيق» ومنتشرة حول العالم بأرباح بلغت  مليون دولار، بحسب بيانات صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً، وتضعها فى المرتبة الثالثة فى الأرباح بعد تجارة الأسلحة والمخدرات ويعمل بها  مليون شخص من كل الجنسيات قابلين للزيادة بما يوازى نصف مليون فرصة عمل «قذرة» سنوياً.. كل ذلك جعل من مصر والمنطقة العربية سوقاً خصبة وغنية يبتكرون ويبدعون فى الالتفاف على الحواجز والأسوار الشائكة من أجل الوصول إليها بعدة أقنعة.. ولأن الجريمة تتطور أشكالها وأدواتها مع العصر، ولأننا نعيش حالياً داخل عالم افتراضى يمثل أكبر حفلة تنكرية فى التاريخ فكان من الطبيعى أن تبحث تلك «الشبكات» اللا أخلاقية عن موضع قدم لها داخل «الشبكة العنكبوتية» فى زمن الإنترنت ما يوفر لها سهولة التسلل والتنكر والدخول إلى بيوتنا بطريقة شرعية وبترخيص ولكن من نوع آخر.
«مراكز مشبوهة»
مؤخراً؛ وجدت تلك العصابات مرادها فى التسلل إلى مصر عبر مراكز «المزاج» أو «المساج» زوراً، حيث مئات الإعلانات الممولة عبر صفحات الفيسبوك تدعوك للاسترخاء واستعادة نشاطك مع وصلة من تدليك «خيالك» ووعود بتنشيط دورتك الدموية وتحسين مثيلتها المزاجية وعروض مغرية فقط لو ذهبت إليهم عبر الخاص أو وقعت في المصيدة من خلال «الواتس آب».. الظاهرة التى أصبحت كالفيروس الذى ينخر في المناعة الأخلاقية لشبابنا ويدعوهم للفسق والفجور من بوابة «المساج» في مراكز غير مرخصة دون عناوين محددة وتكتفى بذكر المناطق التى تحتضنها للزبائن، ووسيلة التواصل هى الهاتف إمعاناً فى الحرص والتخفى وبداعى السرية والكتمان. 


صاحبات هذه المراكز اللاتى يقمن بالدردشة معك برسائل نصية وصوتية عبر برنامج «الواتس آب»، وإذا ما سقطت في المصيدة وتم الاتفاق يقمن بإرسال «اللوكيشن» وهو موقع تقريبى للوكر السرى ويقمن بإرسال دليل معك لتأمينهن من أى متسلل غير مرغوب فيه لو اشتبهن فى أمرك، ناهيك عن كاميرات مراقبة خارج وداخل المكان فى أماكن سرية  كإجراء احتياطى لرصد أى تحرك تجاه تلك الأوكار من رجال الأمن أو لتصوير «الزبائن» ثم ابتزازهم لاحقاً لو أفشوا الأسرار.

هل هى عصابات منظمة أم هم من راغبي الثروات الحرام ولا أكثر؟
هل يقومون بتأجيرها أم يمتلكونها وهل يتواطأ معهم ملاك الشقق وسكان العقارات؟ أم يصمتون خوفاً من بودى جاردات تحميهم بالتأكيد؟
>ما الاشتراطات القانونية لممارسة تلك الأنشطة وماذا عن دور وزارتى الشباب والرياضة والصحة؟ هل تلك المدربات مؤهلات علمياً ويحملن ترخيصاً؟ .
تلك الأسئلة المشروعة أمام هذا الطوفان الإباحى الموجه لاستنزاف شباب الوطن وهدم الأخلاقيات وتجنيد فتياته للعمل في أعمال مشبوهة وأنشطة تسيء بالتأكيد  «مراكز المساج» والأندية الصحية المرخصة والرسمية فى الفنادق دفعتنا للبحث عن إجابات مقنعة.
إجابات محتشمة
 رغم مشروعية الأسئلة ولكن علي ما يبدوا  أن القضية تحظى بتحفظ من جانب بعض الخبراء والمسؤولين والبعض تهرب من الإجابة وآخرون جاءت إجاباتهم على استحياء وبحرص كمن يمشى فى حقل ألغام وقلة من تمتعت بشجاعة المواجهة وتوضيح المسألة.. حيث أفاد مصدر مسؤول بالإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص بوزارة الصحة ـ رفض ذكر اسمه ـ بأن هناك عشوائية تحكم مجال «مراكز المساج» حيث إن عدد صالات الجيم والأندية الصحية غير المرخصة لا يوجد حصر دقيق لها.

وبرر المصدر لجوء بعض المراكز للعمل دون تراخيص بسبب الاشتراطات التى يراها قاسية من وجهة نظره وتمنعهم من الاتجاه لتقنين أوضاعهم عبر وزارتى الشباب والصحة.. موضحاً أنه يتم توزيع حصيلة مبالغ رسوم التسجيل؛ للحساب الخاص بالمجلس القومى للرياضة و لحساب صندوق تحسين الخدمة بديوان عام وزارة الصحة و لحساب الوكالة الوطنية لمكافحة المنشطات فى مجال الرياضة و حوافز لكل من العاملين بالإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص والعاملين بالإدارة المركزية للطلب الرياضى بوزارة الشباب والرياضة والعاملين بإدرات العلاج الحر بمدريات الشؤون الصحية بالمحافظات.

إحكام الرقابة

 وكشف المصدر أنه سيتم إحكام الرقابة والسيطرة على جميع مراكز المساج بما فيها غير المرخص وتقنين أوضاعها لتعمل تحت مظلة قانونية، مشيراً إلى أن الوزارة أغلقت نوادي صحية وصالات جيم غير مرخصة مؤخراً،  لافتاً إلى أن الحملات أسبوعية على جميع المراكز للتأكد من عملها بشكل سليم خاصة في ظل وجود «كورونا»، مؤكداً أن هناك خطة من قبل الوزارة بشأن النوادى الصحية وإحكام الرقابة لضمان عملها بشكل يبتعد بها عن استغلالها في ممارسة الأفعال المنافية للآداب.
 وأضاف أنه سيتم اصطحاب فرق من الطب الوقائى لمتابعة عمليات مكافحة العدوى بهذه الأندية منعاً لانتقال الأمراض المختلفة كفيروس سى أو الإيدز!! وأوضح المصدر أن معظم محاضر غلق النوادي الصحية جاءت بسبب عدم وجود متخصصين وخبراء بإضافة إلى وجود كميات من الأدوية والمأكولات الغذائية والمنشطات غير المصرح بتداولها.. وعلى عكس هذا الحذر من جانب المسؤولين كان هناك خبراء أمنيون لديهم شجاعة البوح والتشخيص والتوصيف لهذا الحالة الفوضوية.
ويرى اللواء محمود الرشيدى مساعد أول وزير الداخلية الأسبق لأمن المعلومات والتكنولوجيا، أن هذه المراكز خلفها عصابات جريمة منظمة ولم تعد العاصمة وحدها هى مركز الجذب بل تمددت الظاهرة لتصل معظم المحافظات خاصة الجنوب بحثاً  عن ضحايا، مضيفاً أن السوشيال الميديا زاخرة بالإباحيات والصفحات اللا أخلاقية والجهات المنوط بها ملاحقتها تحتاج لجيوش من العاملين خاصة أن هناك قضايا أخرى تتابعها وزارة الداخلية والتى تعتمد في المقام الأول على وعى المواطن حال إبلاغه عن تلك الصفحات وتقوم بواجبها إذا تم رصد موقع أو صفحة تروج للفسق والفجور   خاصة أن معظم هذه النوعية من الجرائم ترتبط بالدعارة وسرقة الأعضاء والخطف والابتزاز وتسقط ضحاياها نتيجة عدم وعى مستخدم الإنترنت وافتقاد الوازع الأخلاقى والدينى لكثيرين يجعلهم فريسة سهلة لتلك الشبكات المنافية للآداب.
وأشار الرشيدى إلى أن الأسرة تعد مسؤولة أيضاً مع الجهات الرقابية كخط دفاع أول لحماية الأبناء والشباب من مخاطر الشاشات والإنترنت فنحن فى زمن الأسرة الافتراضية التى تقضى معظم وقتها في تصفح المواقع وتتخلى عن دورها الرقابى.. مضيفاً أنه من الضرورى قبل التحول  الرقمى أن يصاحب ذلك محو أمية استخدام المواقع الإلكترونية والتوعية بمخاطر التكنولوجيا باعتبار هذا العالم الافتراضى هو أكبر حفلة تنكرية فى التاريخ ولابد من أسلحة لتجنب هذه التهديدات التى تستهدف الأطفال والشباب.
 وطالب «الرشيدى» بوجود مادة تعليمية فى مناهج وزارة التربية والتعليم لرفع الوعى التكنولوجى والاستخدام الآمن والمشروع للإنترنت ومواجهة تحديات المستقبل.  مشدداً على ضرورة أن تقوم الجهات الرقابية بدور أكبر إزاء مراكز المساج الوهمية لخنق الجريمة فى مهدها.
 أما اللواء مجدى كمال مساعد أول وزير الداخلية الأسبق للمصنفات الفنية فيرى أن انتشار إعلانات مراكز التدليك والمساج والنوادى الصحية على مواقع التواصل الاجتماعى أمر فى منتهى الخطورة، حيث يخرج بجريمة ممارسة الدعارة المستترة من الحيز الضيق قديماً إلى فضاء أوسع يستهدف مستخدمى الإنترنت كافة من جميع الأعمار ويجعل من رقابتها أمراً معقداً ومرهقاً للأجهزة الأمنية، مشيراً إلى أن هذه المراكز غير معلوم حقيقة أنشطتها والمؤكد أنها غير مرخصة وغالباً تستخدم ستاراً لأعمال  غير قانونية كممارسة الدعارة أو الإتجار فى الأعضاء البشرية واستقطاب الفتيات والشباب لأنشطة مشبوهة،  لافتاً إلى أن وجود الإعلان عن وجود مدربات من جنسيات متعددة يثير الشكوك حول ضلوع هذه المراكز فى محاولة توطين تجارة الجنس فى مصر والتى ترتبط بديهياً بشبكة الرقيق الأبيض والإتجار بالبشر عالمياً وهنا لابد من الحذر بشدة وأخذ الأمر على محمل الجد من جانب الجهات الأمنية والمجتمع ويجب تشديد الرقابة وتغليظ العقوبة على هؤلاء.
 فيما يرى اللواء خالد عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية الأسبق لإدارة حماية الآداب أن هذا الطوفان من إعلانات مراكز المساج لا ينتمى لنوعية الجريمة المنظمة وهى اجتهادات شخصية وصورة من صور التطور الرقمى لممارسة الأنشطة المنافية للآداب وشبكات الدعارة،  والتى تحرص على الأمان والسرية ومعظمها يستخدم التكنولوجيا حالياً سواء فى ترويج أو استخدام كاميرات سرية للمراقبة فى تلك المراكز خوفاً من المداهمات الأمنية وأيضاً لتصوير الضحايا وابتزازهم فيما بعد.. ويتذكر اللواء خالد عبدالعزيز أنه قام بإغلاق ثلاثة مراكز مشابهة منذ سنوات كان يديرها «صينيون» فى إطار محاصرة الجريمة وتم حبسهم، لافتاً إلى أن هذه الإعلانات والمراكز تتطلب من الجهات الأمنية والرقابية وجود فرص دعم ومساعدات فنية لتتبع تلك الأنشطة  التى تتسع دائرتها فى زمن الإنترنت خاصة أن بعضها ابتعد عن المحافظات المركزية كالقاهرة والجيزة والإسكندرية هرباً من الملاحقة واتجه للمحافظات النائية أو الشقق المفروشة فى أماكن بعيدة عن العمران نسبياً فى العاصمة.

اقرأ أيضا

تلامذة أسامة الأزهري يتلون «ختمة قرآنية» على روح عبلة الكحلاوي