أمريكا فى خطر الفوضى.. ليلة سقوط الكابيتول

لحظة اقتحام الكونجرس الأمريكى
لحظة اقتحام الكونجرس الأمريكى

أشرف زيدان

بعيون مشدوهة أمام شاشات التلفزيون أمضى الأمريكيون فى طول البلاد وعرضها بكل الولايات المتحدة ليلة سوداء أو هى الأصعب فى تاريخهم الحديث حيث تابعوا بأعينهم مشاهد سقوط مقر الكونجرس الأمريكى أو ما يعرف باسم "الكابيتول هيل" وهو موقع إقامة مقر البرلمان حيث يعرف باسم التل الشرقى قبالة مدينة واشنطن حين تقرر إقامة مبنى الكونجرس عليه والذي يعد مقر ديمقراطيتهم ورمزها العتيد ومنبع فخرهم بين الأمم منذ تأسيسه فى 4 مارس 1789.

ظل الأمريكيون يتابعون المشاهد المتلاحقة بأعين مرهقة وقلوب وجلة لساعات طويلة فى تلك الليلة السوداء ويتابع معهم بقية سكان العالم مشاهد اقتحام الحشود الغاضبة من أنصار الرئيس دونالد ترامب لمقر الكونجرس خلال جلسة تاريخية كانت مقررة للتصويت على نتيجة الانتخابات الرئاسية وإعلان فوز المرشح الديمقراطى جو بايدن وخسارة الرئيس الجمهورى الحالى الذى تنتهى ولايته فى العشرين من الشهر الحالي.

وتساءل الجميع بقلق هل وصلت نبوءة الفوضى الخلاقة التى طالما بشر بها السياسيون الأمريكيون إلى عقر دارهم.. الجميع شعر بأن ماحدث كان فضيحة للديمقراطية الأمريكية التى طالما تفاخروا بها على شعوب العالم بعد أن أظهرت مشاهد الحشود الغاضبة بالآلاف المحاصرة لمقر الكونجرس بالكابيتول أن نسبة لايستهان بها من المواطنين الأمريكيين لايعتقدون بنزاهة الانتخابات ويتمسكون برأيهم بفشل الإجراءات والآليات الديمقراطية ويؤمنون بتزوير وفساد العملية الانتخابية وربما تكون تلك الصدمة الكبرى التى كشفت عنها العاصفة السياسية التى هزت المجتمع الأمريكي.

هذه الصدمة العنيفة تمثلت فى أنه ليس الرئيس ترامب وحده الذى يؤمن جازما بسرقة الانتخابات وتزوير النتيجة فيما أطلق عليها أكبر عملية سرقة انتخابية فى تاريخ البلاد وأن من قام بها خصومه الديمقراطيون وأنهم سرقوا منه النتيجة وهى فوزه الكاسح. لكن ترامب أيضا أقنع جانبا كبيرا من أنصاره بأن الانتخابات تم تزويرها رغم رفض معظم الدعاوى القضائية فى عدة ولايات اتهمها بالتزوير لصالح بايدن.

هذه القناعة لدى جماهير واسعة من أعضاء الحزب الجمهورى هى التى حركت الحشود الغاضبة وفِى الطليعة منهم كانت جماعات البيض المتطرفين من الجمعيات اليمينية المتشددة المؤمنة بأحقية العنصر الأبيض فى قيادة أمريكا والمؤمنين بأنه تم تهميشهم لصالح نشر أفكار الديمقراطيين اليسارية التى تجعل منهم مواطنين درجة ثانية فى بلدهم أو هكذا يعتقدون.

البعض من الغاضبين كان أيضا من أنصار وأعضاء حركات فوضوية لاتهمها نتيجة الانتخابات بقدر ما يهمها مهاجمة المؤسسة الحاكمة بأحزابها وبرلمانها وانتخاباتها باعتبار أنها مؤسسة فاسدة لنظام فاسد يجب تفكيكه بالكامل وهى تستغل الأحداث والاضطرابات للدفع تجاه تدمير وحرق المؤسسات للتعجيل بحدوث نهاية النظام.

أسماء لجماعات مختلفة من مشارب شتى فعلى اليسار كان ترامب يتهم حركة "انتيفا" اليسارية بالتخريب ومهاجمة أنصاره من الجمهوريين.

وفِى الجهة المقابلة جماعات يمينية متطرفة تسعى لإثارة رد فعل عنيف من الدولة للتعجيل بالصدام المسلح والعنف لتقويض مؤسسات الدولة الهرمية كالدرب المضيء أو حركة القوميين البيض.

كلها وجدت ضالتها فى دعوة ترامب لأنصاره للتوجه لمقر الكونجرس لرفض النتيجة فكانت الفرصة السانحة للهجوم على أهم رموز ومؤسسات الدولة.

ستظل أحداث ليلة سقوط الكابيتول ومشاهدها الدامية ماثلة فى مخيلة الأمريكيين لأعوام وأجيال فهى صدمة قوية لن تنتهى آثارها بعد يوم العشرين من يناير حين يتولى الرئيس المنتخب منصبه بل ربما ستبدأ آثارها فى الظهور على مدار سنوات حكمه التى يتكهن المراقبون أنها ستكون صعبة ومضطربة فى ضوء الانقسامات الحادة والشكوك بين أبناء الشعب الواحد التى ترسخت فى النفوس بفعل مشاهد ليلة سقوط الكابيتول.