نهار

فتح ياسمينك يا شام...

عبلة الرويني
عبلة الرويني

وكأنه العرس.. ما أن أطل النعش، خارجا من جامع الحسن بدمشق بعد الصلاة عليه.. حتى صار الجميع يصفقون، وتزغرد النساء، وتنطلق أصوات الشباب بالعراضة الشامية (أهازيج وأغانى شعبية تقدم عادة فى الأعراس).. ردد الجميع وراءهم "فتح ياسمينك يا شام.. فتح أشكال وألوان"... "يا عين ابكى وبكينا.. عريسنا ورسا ع المينا".

هذا عرس لا جنازة.. عرس مهيب يليق بعودة المخرج حاتم على إلى أرض بلاده... انتظروه طويلا، ربما هو أيضا انتظر هذا العناق.. نزح بداية من الجولان.. إلى دمشق.. إلى القاهرة.. إلى مونتريال.. ووحيدا فى غرفة فندق ضخم بالقاهرة، مات حاتم على بذبحة صدرية مفاجئة.. قال صديق يعرفه (لم يمت حاتم على فى المنفى.. بل مات بسببه)!!

جنازة المخرج حاتم علي فى دمشق، وجع سورى غائر... وجع الغربة والفرقة والبعاد، والقلوب التى شطرتها الحروب والمجازر..

فى زيارة أخيرة لدمشق قبل 3 سنوات (لا شيء يمنعنى عن زيارة سوريا فى أى الأوقات، ولا حتى سؤال الكاتب الصديق خليل صويلح: لماذا تأتين؟).. عندما دخلت فندق الشام الفخم الكبير (لمشاهدته لا للإقامة به).. كان البهو معتما، الإضاءة مخفضة تماما (علل موظف الاستقبال بأن نسبة الإشغال قليلة)!!... (لا أحد يدخل المقهى) هكذا قال أيضا شاعر شاب!!.

سألت صاحب المكتبة الملاصقة لفندق الشام عن أحواله.. بكى.. "أنا هنا، ونصف أهلى خارج البلاد.. هذه أحوالنا"!!

جنازة المخرج حاتم على قبل أيام فى دمشق (خرج السوريون جميعا دون اتفاق، ودون أن يمنعهم أحد) لوداع ابنهم العائد، بعد أن أتعبه قلبه من الرحيل.

جنازة حاتم على شهادة على الوجع السوري.. (سوريون هنا) و(سوريون هناك)!!.. (سوريون بالداخل) و(سوريون بالخارج)!!.. جنازة حاتم على شهادة عميقة على وحدة سورية تستعصى على الإبادة والمحو... جنازة حاتم على شهادة على الوجع، ومحاولة ربما أكثر وجعا لترميم القلب المكسور.