مدارات

الاتزان ثقه وثبات

رجائي عطية
رجائي عطية

والاتزان والثبات، هما جناحا الإنسان فى الحياة، وإليهما تُعزى كثير من الصفات والشمائل السوية. 

قد لا يفارق الآدمى اتزانه وثباته إلى أن يموت، وقد يفارقانه مع المرض أو الإدمان أو التدهور العاطفى أو الوحشة والانفـراد الطويل بالسلطة أو بسبب الشيخوخة. شأن كل موهبة تصادف عوامل التعطيل لتنحر منها جناحى الصبر: الاتزان والثبات.. إذا كان الأمل قاطرة الإنسان والإنسانية، فإن الصبر وقودها، هو الذى يربط على قلب الآدمى وجنانه، يشد من أزره ويقويه، ويتيح الفرصة بالعزم لتجدد ونمو وازدهار سنابل الأمل التى تشد الأحياء دائمًا إلى حيث الحق والكمال والجمال. 

والزحام الشديد الذى نراه لاستعمال وترديد كلمة الصبر وهو أساس الاتزان والثبات، بين رصانة ووقار وجدية وغاية الأديان، وبين ترانيم الشعراء، ولغات المحبين والعاشقين، وأمثال الناس ـ لم يواكبه توقف كثير أو قليل لفهم معنى ∩الصبر∪ الذى هو لب الاتزان والثبات فهمًا حقيقيًا، وإدراك مدلوله، حتى لا يوطأ ويندهس معناه وسط طوفان الكلمات التى شطت فى استخدامات الناس حتى لم يعد يُعرف ما هو المعنى المقصود بالصبر؟!

وفلاسفة الأخلاق ميزوا ويميزون بين أخلاق الكرام والأحرار، وأخلاق اللئام، ويردون الصبر ـ ضمن باقة الشمائل ـ إلى أخلاق الكرام والأحرار، بينما يميز ∩فردريك نيتشه∪  من واقع مذهبه: ∩إرادة القوة بين أخلاق الأقوياء وأخلاق الضعفاء∪!

يدرك المتأمل أننا نخسر ولا نكسب قضية الصبر والاتزان والثبات، لا من خبراتنا الفاشلة ولا من اندفاعاتنا الناجحة، فيزداد عندنا وزن الصبر خفة وهبوطًا، ويزداد الاندفاع والارتجال والتسطيح انتشارًا وشيوعًا ، فى الخاص والعام  من أمورنا، كما يُرَى ذلك فى تصرفاتنا وردود أفعالنا اليومية فى حياتنا الخاصة، وكما يرى فى مشروعاتنا ومؤسساتنا ووسائل إعلامنا وأحزابنا وانتخاباتنا وفى بياناتنا الرسمية  بل وفى تشريعاتنا!

ولا يرتبط الاتزان والثبات بأميَّة الآدمى أو تجاوزه حاجز الأميَّة، ولا يزيدان بزيادة تعليمه بالاتزان والثبات، يزدان الآدمى  فى محيطه وخارج محيطه، وقد يتميز بهما فى الأعمال والأشغال فيصير أهلاً للقيادة والريادة بل وللسيادة.

نخطئ بيقين حين نظن أن الاتزان والثبات يتحققان أو لا يتحققان حسب الظروف التى نلقاها أو تحيط  بنا أو تفاجئنا  على غير انتظار أو توقـع.. فإن كانت مثيرة أو غير متوازنة أو مضطربة أو مقلقة، فارقنا الاتزان والثبات وكان من حقنا، أو بررنا لأنفسنا ألا نصبر وأن من الطبيعى أن نضطرب ونقلق. وهنا نحن  نصدر لأنفسنا قرارات ـ نتصورهـا نهاية ما نملكه من المعقولية ـ بأن من حقنا، أو معنا عذرنا على الأقل ـ أن نهتاج ونثور وننزعج  وأن نتجاهل موازين العقل والتعقل لأننا ووجهنا بظروف غير ملائمة لا يمكن أن تقابل بالصبر والاتزان والثبات.. وهذا كله وهم وتخيل ـ لأن احتفاظنا أو عدم احتفاظنا بالاتزان والثبات ليس رد فعل على ظرف خارجى، بل هو حالة نفسية داخلية نتخذها لأنفسنا ونوجدها فى وعينا ونستسلم لها نتيجة قرار نتخذه نحن ونتصور مخدوعين ـ أنه هو القرار الوحيد بل المفروض المعقول الذى نصور لأنفسنا أنه ثمرة اقتناع يملأ أعماقنا بأننا فى حالة عجز عن المواجهة، ونمعن فنصور هذا الاقتناع فى صور مختلفة نبرر بها لمواجهات اندفاعية  ليس لها دراسة حقيقية ، نبديها وننقاد لها وننفذها دون أن نكون واثقين من نجاحها ونفعها ، لكنها لا تخفف فى الواقع الفعلى قليلاً أو كثيرًا من شدة إحساسنا القانط الخابى بالعجز والحيرة!

كل شىء فعال ـ فى أيامنا هذه ـ لا يميل كثيرًا إلى الصبر والاتزان والثبات، على حين يرحب بالاندفاع والإسراع فى التغيير والتجريب والانتقال والإبدال والاستبدال! 

ويوشك الآدمى فى عصرنا أن يفارق ثقته فى عقله أو ما بقى له من ثقة فى عقله، لأنه لم يعد يلتفت إلى البينة الكبرى على وجود العقل وقيمته، هى اتزان الآدمى وثباته.. وهذان: الاتزان والثبات، هما معنى كلمة ∩الصبر∪.