عصر العلم

ليلة حرق المجمع العلمى المصرى

فرخندة حسن
فرخندة حسن

فرخندة حسن

المجمع العلمى المصرى هو أقدم الجمعيات الأهلية العلمية فى مصر الحديثة إذ يرجع تاريخ إنشائه إلى أواخر القرن الثامن عشر بقرار من نابليون بونابرت وبالتحديد فى يوم 20 أغسطس عام 1798. وتم اختيار العالم الفرنسى «مونج» رئيساً له وبونابرت نائباً للرئيس ويضم عدداً من العلماء المصريين والفرنسيين.
أنشئ المجمع على غرار «المجمع العلمى الفرنسي» وكان أحد أهم أهدافه دراسة تاريخ مصر وتسجيل آثارها وعلومها وفنونها ونظمها الإدارية والمالية وتصنيف مواردها وعناصر بيئتها الطبيعية تم تسجيل نتائج هذه الدراسات فى وثيقة تاريخية شهيرة هى «موسوعة وصف مصر»، انبهرت بفخامتها عندما أسعدنى الحظ بمشاهدة نسخة أصلية منها فى المجر فى القصر الإمبراطورى الذى أصبح مزاراً سياحياً.
قدم المجمع العلمى على مدى ما يزيد على قرنين من الزمان العديد من الدراسات التحليلية فى مختلف المجالات تعتبر بمثابة علامات بارزة على طريق المعرفة وتشكل حتى الآن منهلاً خصباً للمهتمين فى مصر والخارج، هذا بالإضافة إلى تجميع العديد من الوثائق التاريخية الهامة منها المراسلات العسكرية لنابليون بونابرت ومذكرات ضرب الإسكندرية عام 1882 ومذكرات كليبر وغير ذلك من تراث مصر التاريخى.
فى عام 2011 قام فريق من الجهلاء بقذف المجمع بكرات من اللهب وزجاجات المولوتوف فاشتعلت فيه النيران من خلال عملية ممنهجة يتابع خطواتها فريق آخر وفريق ثالث يرفع أفراده أيديهم بعلامة النصر.
فزع العالم لهذا الحدث الهمجى الذى قضى على حوالى 80% من مقتنيات المجمع التاريخية. قام فى ذلك الوقت الدكتور إبراهيم بدران رحمه الله رئيس المجمع والدكتور عبد الرحمن الشرنوبى الأمين العام بجهود جبارة لاستعادة الوثائق التى فقدت من داخل مصر وخارجها فتم استرجاع أكثر من 30.000 مرجع ومخطوط وكامل إصدارات المعهد الثقافى الفرنسى، كما تم ترميم عدد من الوثائق المحترقة فى دار الكتب.
تصدع المبنى وانهارت أسقفه نتيجة الحريق فقامت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة برعاية المشير محمد حسين طنطاوى وشركة المقاولون العرب بإعادة المبنى كما هو عليه الآن.
يضم المجمع العلمى المصرى الذى مازال شامخاً حتى يومنا هذا صفوة من علماء مصر ومفكريها ويباشر نشاطه فى مختلف فروع المعرفة بمحاضراته الشهرية ونشر بحوثه فى مجلته التى تصدر منذ عام 1859 ويتم تبادلها مع عدة هيئات علمية عالمية وتعتبر مكتبة المجمع من أعظم المكتبات الثقافية وذلك لما بها من وثائق تاريخية بالغة القيمة وقد حصل المجمع مؤخراً على منحة من سمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمى هى حوالى 7700 مرجع ومخطوط منها نسخة أصلية لوصف مصر. استمر المجمع فى أداء رسالته يشق طريقه بجهود أعضائه متحدياً المعوقات المادية التى تؤثر سلباً على أنشطته معتمداً على موارده المحدودة جداً وتطوع رئيسه الدكتور فاروق إسماعيل ونائبه الدكتور سعد نصار والأمين العام الدكتور عبد الرحمن الشرنوبى ومجلس إدارته المنتخب وأعضاؤه بدون أى مقابل.
إن هذا الصرح الثقافى التاريخى العظيم يحتاج من مؤسسات الدولة ذات الصلة مثل وزارات الثقافة والتضامن الاجتماعى والآثار باعتباره تراثا معرفيا هاما، اهتماماً يستحقه حتى يتمكن من استكمال مسيرته فى تحقيق التنمية وتشكيل ملامح المستقبل.