حبوا بعض

يكشف الوجوه الحقيقية

أمنية طلعت
أمنية طلعت

أمنية طلعت

فى إنجيل متى (13:6) نقرأ «وَلاَ تُدْخِلْنَا فِى تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ»، كم تأملت هذه الآية الإنجيلية كثيراً، فوصف المحن التى يمر بها الإنسان بالتجربة، يعد وصفاً شديد البلاغة والتعبير عن واقع حال الأزمات التى نظل نتنقل بينها طوال حياتنا، فالصعاب ما هى إلا تجارب يضعنا فيها الله ليعلمنا شيئاً أو يلفت نظرنا إلى حقيقة كانت غائبة عنا، أو يكشف الوجوه الحقيقية لأشخاص حولنا فنعرفهم على حقيقتهم ونتقى وجودهم فى حياتنا.
الصلاة الربانية المسيحية تسأل الله ألا يدخلنا فى التجربة وأن ينجينا من الشرير، تسأل الله أن يساعدنا على أن نعيش أبرياء بدون تجارب وبدون مواجهة مع الشرير أو الشيطان، هذا الحلم الإنسانى بأن يقينا الله هول المحن والاختبارات، كى نعيش منعمين فى براءتنا التى وُلدنا عليها، لكن هذا الحلم لا يتحقق للأسف الشديد، فنجد أنفسنا فى مواجهة التجارب القاسية طوال الوقت، فلا يتبقى لنا سوى أن يمنحنا الله القوة فى مواجهة الأشرار.
وأنا فى بداية عشريناتى أقرأ قصائد الشاعر الفرنسى آرثر رامبو، توقفت طويلاً أمام هذه العبارة «إن الله لا يحب الأبرياء»، وتساءلت كيف؟ لابد وأن الله يحب الأبرياء، وإلا فمن سيحب إذاً؟، ظلت كلمات العبارة تتردد فى ذهنى على مدار السنين وأنا أعبر محنة وراء أخرى، ومع كل محنة تتبدد براءتى وبعد كل محنة أدرك الوجود الربانى أكثر، أدرك وجوده فى غياب الوجوه التى يتكشف قبحها، تلك الوجوه التى تعيش وراء الكثير من الأقنعة الزائفة، فتظل تراها جميلة ورائعة، لكن عند أول مفترق طرق تنزع عنها القناع لتظهر على حقيقتها وتتركك وحيداً فى مواجهة الضباب، فلا تجد سوى الله وحده معك، وحينها فقط يتبدد جزء من الضباب ويتسلل بعض من أشعة الشمس، وهكذا مع كل محنة / تجربة تغيب وجوه ويزداد توحدك مع الوجود الإلهى وتنقشع ظلمة لتفسح مساحة أكبر لضوء الشمس، إلى أن تجد نفسك مغمورا بنور الله فى سماواته ومتماهيا فى ذاته.
الدخول فى التجربة حتمية دنيوية والدعاء لله بألا يدخلنا فيها، أمل بشرى لاتقاء هول نتائجها من خيبات ودموع، لكن الله لا يدخل سوى من يحبه فى التجربة، فالله يحب الذين واجهوا قسوة التجارب شاهرين سيوف الحق، غير عابئين بنبذ البشر لهم تاركين إياهم فى العراء، ففى لحظة الوحدة الباردة تلك نرى طريق الله فنصل إليه بعد أن ينجينا من الشرير، فوحده له الملك والقوة والمجد إلى الأبد، آمين.