يوميات الأخبار

معارك صحفية حول «كتاب»

د. محمود عطية
د. محمود عطية

((انفردت المرأة بهذا الحق عبر نضالها الخفى ضد الرجل..))

الثلاثاء:

كانت أيام

ربما تكون المرة الأولى التى تثار عبر الصحف المصرية معركة طاحنة حول «كتاب»، وقد نال الكتاب هجومًا عنيفًا وطعنًا فى دين وفى خلق كاتبه، ولم يسلم من غضب السياسيين وعلى رأسهم الخديو عباس حلمى، ومن المثير أن أول صحيفة تنشر هجومًا ضد الكاتب والكتاب هى نفس الصحيفة التى نشرت الكتاب منجمًا، وهى صحيفة «المؤيد» وفى صدر صفحتها الأولى العدد الصادر 3 يونيو من نفس العام، وقد بدأت المعركة أو السجالات الفكرية حين قامت نفس الصحيفة فى 20 مارس عام 1899 بنشر سلسلة مقالات بقلم قاسم أمين المستشار بالاستئناف تحت عنوان «حالة المرأة فى الهيئة الاجتماعية تابعة لحالة الآداب العامة فى الأمة»، واكتملت سلسلة المقالات نهاية شهر مايو من نفس العام، وقد لاقت بعضًا من الهجوم، لكن حين جمعها الكاتب وأصدرها فى كتاب تحت عنوان «تحرير المرأة»، عندئذ تفجرت فى مصر الآراء المناهضة للكاتب والكتاب، وآراء أخرى مؤيدة لما جاء بالكتاب، وكانت معركة فكرية حامية الوطيس لم يسبق أن فجّرها كتاب من قبل فى مصر، وتبارى المفكرون والكتاب وقراء الصحف فى مناقشة الكتاب والتعليق عليه، وتراوحت مواقفهم بين التأييد المطلق والهجوم العنيف.. وعد ذلك أول معركة فى ساحة الصحافة المصرية على «كتاب». 

وقد نشرت صحيفة «المؤيد» سلسلة مقالات لمحمد البولاقى أحد مشايخ الأزهر، وقد أصدرها بعد ذلك فى كتاب بعنوان «أنيس الجليس عما فى تحرير المرأة من التلبيس» وقد اتهم فيه قاسم أمين بالجهل، أما «الأهرام» فقد اتخذت موقف الدفاع عن كتاب «تحرير المرأة»، وإن كانت قد فتحت صفحتها فى الوقت نفسه لكتابات المعارضين، وكان رأى صحيفة «المقطم» أن كتاب «تحرير المرأة» يعد «أفضل كتاب ظهر فى مصر منذ سنوات طويلة، وكتبت: «نحن لم نقرأ عصريًا وأعجبنا مثل هذا الكتاب»، وقد كتب الشيخ رشيد رضا فى «المنار» مقالًا افتتاحيًا بعنوان «كلمة فى الحجاب» قال فيه: «لم نر فى مكتوب العصر كلامًا أثر فى نفوس أمتنا كالذى جاء فى كتاب «تحرير المرأة»، واتخذ جورجى زيدان صاحب «الهلال» نفس موقف الشيخ رشيد رضا.. فعلاً كان فكراً أمام فكر، فهل نشهد يومًا معارك فكرية أم ولى الزمان واختفى؟!.

الخميس:

التفكير تعميمًا

عن ظهر قلب حفظنا: «يخلق من ضهر العالم فاسد»، وعلمونا أنه ليس كل ما يلمع ذهبًا.. ومع ذلك من يدرس سلوكياتنا وتصرفاتنا وأفعالنا يتأكد له أنهم حفظونا أكليشيهات نرددها فى المناسبات ولا نعى مدلولاتها الحقيقية ونتناسى عمدًا ما عرفناه من تجارب السنين وحكمة ما حفظناها وتعلمناها من أن الأشياء لا تتشابه رغم تشابهها الظاهرى.. يعنى مفيش حاجة زى التانية. نردد مثلًا يقول: (صوابعك مش زى بعضها)، ومع ذلك نجد تصرفاتنا وسلوكياتنا تؤكد أن صوابعنا زى بعضها.. فما نراه من سلوك على فرد يحلو لنا أن نطلقه على أمثاله رغم اختلاف الظروف والبيئات.. فهل يعنى هذا أننا ندخل ضمن مَن يعنيهم القرآن الكريم فى مُحكم آياته: «كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا».. ربما.

وقلب معى على عدة أوجه ما عندنا من سلوكيات ستتأكد بنفسك من حكاية صوابعنا اللى زى بعضها، أو ما يطلق عليه البعض التفكير بالجملة، ونظرية مسألة التفكير بالجملة أو بالتعميم وصوابعنا واضحة وجلية فى حكايتنا مع المرأة.. فأغلب تفكيرنا- والعياذ بالله- يرى أن  النساء كلهن واحد، متعتهن التلهى بالرجال  وإنهن هاويات حب وغير مخلصات ومتلذذات بعذاب الرجل وهجره وسلقه على نار باردة.

ولا أعرف كيف نصدق من لا يرى فى المرأة غير الخبث واللؤم وأنها مصدر كل الشرور، وينصحنا تراثنا القديم ويصدقه كثيرون حيث نقرأ فيه: «لا تأمن للمرأة إذا صلت، ولا للخيل إذا وطت، ولا للشمس إذا ولت»، فقد ساوى تفكيرنا بالجملة بين المرأة والبهيمة والشمس التى تخضع لتغير ظروف البيئة، يعنى ببساطة جعل كل النساء من عينةٍ واحدةٍ، أى سواسية فى  الخبث واللؤم فلا نأمن لهن.. أى تأكيد أن صوابعنا زى بعضها.

ولا يتركنا عقلنا الجمعى نهنأ بحياتنا ويفكر بالجملة وعلى طريقة صوابعنا زى بعضها يحذرنا من خلفة البنات فيقول: «المثل الشعبى»، وبالمناسبة المثل الشعبى لا يؤلفه شخص، وإنما هو تأليف العقل الجمعى للبشر.. يقول: «يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات»، ثم نجد مثلًا آخر يقول: «لما قالولى دا ولد انشد ضهرى واتسند، ولما قالولى دى بنية انطبقت الدار على» ..والمدهش أن المثل الشعبى لا يرى دورًا محددًا للأب فى تربية البنت خوفًا من أنها ربما تكون فاسدة فينسبها لامرأة أخرى، فيقول: «اكفى القدرة على فمها تطلع البنت لأمها».. لكن لماذا تم تشبيه البنت أو المرأة فى هذا المثل بالقدرة.. وهل قدرة فول أم ماذا.. فى الحقيقة لم يفدنا المثل الشعبى فى هذا.

وبالمرة لا ينسى تفكيرنا أن ينكد على المرأة ويلبسها تهمة خراب البيوت وتطفيش الرجل فيقول: «اللى مراته مفرفشة يرجع البيت من العشا»، أى ليس لسبب فى الرجل وفى أخلاقه وتربيته وإنما لعيب فى المرأة.. ألم أقل لكم إننا نفكر بالتعميم وصوابعنا زى بعضها.

 السبت:

الرجل معنفًا

الجمعية الأمريكية للطب النفسى ناشدت الرجال أخيرًا بضرورة البكاء، وعدم تفويت أى فرصة تسنح للبكاء فى الحزن والفرح والحب.. ولكن - للأسف - انفردت المرأة بهذا الحق عبر نضالها الخفى ضد الرجل، وفى كل المناسبات.. وضحكت على المجتمع وأرغمته أن يتقبل بكاءها واعتباره علامة على الأنوثة المفرطة.. وأجبر الرجل على كبت انفعالاته.. وصار الرجال ضيوفًا دائمين فى العيادات النفسية..

يا له من عنفٍ عبقرى مارسته المرأة وبمساعدة المجتمع الذكورى الذى تصوَّر أنه استولى على مقاليد الحكم فى العالم وتحكم فى المرأة ومارس عنفًا فاضحًا ضدها.. وردَّت عليه المرأة بعنفٍ عبقرى استسلم أمامه الرجل دون أن يعيه.. ولأن الرجل منع منذ الطفولة من فض مشكلاته عن طريق البكاء وأجبر على تخزين انفعالاته.. انساق لممارسة العنف لرد العدوان عنه.. ولم يقبل منه الأبوان البكاء للرد على اعتداءٍ من طفلٍ آخر..

بل لا بد من الرد بالمثل بالعنف المُضاد.. من هنا كانت بداية الحروب التى أشعلها الرجل على مدى التاريخ.. وتتباهى الجمعيات النسائية برقة المرأة، وأنها لم تكن يومًا من مُشعلى الحروب.. وصدَّق الرجال تلك المقولة المُشبعة بالعنف فى وصف الرجل بأنه إرهابى مُشعل للحروب ومقلق لراحة العالم!

وذاق الرجل الذل من الحروب.. ولم يدرك أن الحروب أحد إفرازات العنف الحريرى الموجه ضده.. وصوَّر له خياله المريض أنه بالحروب يسعى لإقامة العدل ويرد العدوان.. وعميت بصيرته عن إدراك أن الحروب أحد تجليات العنف النسائى ضده !