إنها مصر

مصر حين تسلمها الرئيس

كرم جبر
كرم جبر

قصة الوطن فى 30 يونيو تحتاج شهادات وتوثيقا دقيقا وأمينا ومحايدا، لدحض أكاذيب البعض حول أحوال مصر حين تسلمها الرئيس، وكأنها كانت دولة قوية ومتعافية ومنتعشة اقتصاديا، وتنعم بالأمن والهدوء والاستقرار.

شهادات تحمى ذاكرة الوطن من الخداع، حتى لا يتخيل البعض ان الرئيس غامر بالبلاد وتسلم بلدا مستقرا، وليس بقايا دولة  كانت مرشحة للانهيار السريع، وعلى أبواب حرب أهلية، ويسيطر الخوف على المصريين ليل نهار، على أنفسهم وأولادهم لمجرد الخروج من منازلهم، وعصابات الشوارع تسيطر على الأوضاع الأمنية.

تسلم الرئيس البلاد فى سنوات الحصاد المر، والأوضاع الاقتصادية منتهى الصعوبة، بسبب الحروب وامتداد مراحل عنق الزجاجة للخروج من الأزمات، والدعم العشوائى والانفجار السكانى وزيادة الواردات وقلة الصادرات، واقتناص فئات قليلة لثمار النمو الاقتصادى.. وغيرها من الأمراض المزمنة التى تجمعت كلها أمام الرئيس.

وزادت الأوضاع صعوبة بعد أحداث يناير وما بعدها كضربات موجعة وضعت البلاد على حافة الإفلاس، بجانب هروب الاستثمارات وتوقف المصانع والإضرابات والاعتصامات وشلل عجلة العمل والإنتاج، والمؤامرات الداخلية والخارجية والجماعة الإرهابية.

وكان أشد المتفائلين لا يعرف طريقا للخلاص، بعد أن ترعرع الإرهاب واشتدت مخالبه، فى ظل الرعاية الإخوانية الكاملة للجماعات الإرهابية وجعلها بديلاً لأجهزة الأمن.

قبل 30 يونيو بـ 48 ساعة اجتمع خيرت الشاطر بـمن أسماهم «علماء المسلمين»، وأعلن النفير العام «حالة الحرب»، قائلاً إن عشرات الآلاف من المقاتلين ينتظرون ساعة الصفر، ورد عليه عاصم عبدالماجد: «وعندى زيهم فى المنيا»، وتم تكليف شخص عربى اسمه «الشيخ وحيد» بالخروج إلى الجموع المحتشدة فى مكتب الإرشاد، لإبلاغهم بقرارات مجلس الحرب الإخوانى.

وفى الخارج كان ينتظرهم المذيع خالد عبدالله محمولا على الاكتاف، وتوالت كلمات «العلماء» فى الجموع الإخوانية تهدد بسحق المعارضين والمتمردين والروابضة، ورمى جثامينهم النجسة للكلاب المتوحشة.. وهكذا كنا.

وفى عيون المصريين الأوفياء، بلدهم ينمو ويكبر ويتقدم، ويبذل جهده لعبور المرحلة الصعبة فى الإصلاح الاقتصادى، والبعض ينتقد كثرة المشروعات، بينما شعوب أخرى تتحسر على أحوالها وتتمنى النموذج المصرى.

قصة الوطن خلال سنوات المحنة تحتاج توثيقا أمينا ومحايدا للأحداث، لتنقية الأجواء من الشوشرة، وتوضيح معالم الطريق الذى تسير فيه البلاد، أين كنا؟ وكيف أصبحنا؟ وأين نريد أن نصل؟

يتحدث البعض -مثلا- عن فقه الأولويات دون النظر إلى «فقر الأولويات»، فلم تكن خزائن البلاد حين تسلمها الرئيس ممتلئة لسد الاحتياجات وإقامة المشروعات بل شبه خاوية، ولم تكن البيئة مهيأة لجذب الاستثمارات، وكان ضروريا الاقتراض والديون بشرط القدرة على السداد.

ولا يتحدث أحد عن «فاتورة الاستقرار» والنفقات الأمنية الضخمة لاستعادة البلاد من الفوضى، وكان مستحيلا أن يتحقق أى شىء فى ظل الانفلات الأمنى والجرائم الإرهابية.